مقدمة مذهب ابن آدم الطبعة الأولى

من Jawdat Said

مراجعة ١٩:٥٨، ١٠ يناير ٢٠٠٨ بواسطة بشر (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

مذهب ابن آدم الأول


Mazhabibnadam.jpg
تحميل الكتاب
مقدمات للكتاب
مقدمة مذهب ابن آدم الطبعة الأولى
مقدمة مذهب ابن آدم الطبعة الثانية
مقدمة مذهب ابن آدم الطبعة الثالثة
مقدمة مذهب ابن آدم الطبعة الخامسة
مقدمة مذهب ابن آدم الطبعة الرابعة
عناوين
نصوص في مذهب ابن آدم
ملاحظات
نماذج من عمل الأنبياء
عمل القاضي غير عمل الداعي
البلاغ المبين
موقف المسلم من الكفر البواح
تهمة الإرهاب
شبهات حول مذهب ابن آدم
مزايا مذهب ابن آدم
مفاهيم في العمل الإسلامي
خاتمة


بسم الله.. والحمد لله.. وسلام على عباده الذين اصطفى.

إن مشكلة العالم الإسلامي قضية تخصُّ خمس البشرية، وهي لذلك قضية جديرة بأن يُفًكِّرَ فيها ويَهتمَّ بها كل من كان يستطيع أن يسهم في حل هذا التخلف الذي أصاب العالم الإسلامي. وقد اهتم بهذه القضية فعلاً عدد من رواد الفكر الإسلامي.

فمن هؤلاء بل في مقدمتهم(1) جمال الدين الأفغاني الذي كرَّس حياته وجهاز تفكيره في معالجة مشكلة المسلمين، ولم يدخر شيئاً من إمكاناته لم يصرفه في هذا السبيل، وكانت حياته وفكره كله وقفاً على هذه القضية، ففي سبيلها تقلب في طول الأرض وعرضها مشرداً منفياً، وقد أودع نظراته في حلِّ مشكلة العالم الإسلامي في كتابه (خاطرات).

ومن هؤلاء عبد الرحمن الكواكبي الذي اهتم بمشكلة العالم الإسلامي، وأفنى حياته في التفكير والكتابة فيها، فكتابه (أم القرى) كان خاصاً بتشخيص داء المسلمين ومشكلتهم، حيث أنطق وفود العالم الإسلامي في كتابه هذا بما يرى من دائهم، وكان يرى المشكلة في هذا الفتور الذي عمَّ العالم الإسلامي.. هذا الفتور الذي حل بالجسد الواحد فلم يدع عضواً منه لم يصبه الفتور.

ومن هؤلاء جلال نوري الذي خصَّص حياته لمناقشة مشكلة المسلمين وكيفية حلها، وكتب لذلك كتابه (اتِّحاد المسلمين) ناظراً إلى ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون، وإلى ما هم فيه من تخلُّف، فكان كتابه خطاً عريضاً في عرض مشكلة المسلمين، وتشخيص كثير من أدوائهم، وكان بحثاً جديداً جديراً أن يفيد منه العالم الإسلامي.

ومن هؤلاء محمد لإقبال فقد أعمق النظر في المشكلة الإنسانية وأهمية المسلمين ودورهم الذي ينبغي أن يقوموا به وخصص حياته ومواهبه الفكرية والبيانية لبحث مشكلة المسلمين.

ولقد أودع دواوينه آراءه وأفكاره، ثم كتب كتابه (تجديد التفكير الديني في الإسلام) محاولاً بذلك معالجة المشكلة من جذورها النفسية.

ويأتي بعد هؤلاء الكاتب الجزائري مالك بن نبي، الذي خصص إمكاناته في عرض مشكلة العالم الإسلامي تحت عنوان (مشكلات الحضارة) في الكتب التي نشرها، وقد استفاد من كل ما سبق فكانت بحوثه ذات أهمية بالغة في كشف عناصر الحضارة وسنَّة تركيبها، وكان بذلك أول باحث حاول أن يحدد أبعاد المشكلة ويحدد العناصر الأساسية في الإصلاح ويبعد في البحث عن العوارض، وكان كذلك أول من أوضح منهجاً محدداً في بحث مشكلة المسلمين على أساس من علم النفس والاجتماع وسنَّة التاريخ.

إلا أن استفادة العالم الإسلامي من هذه الوصفات كلها كانت ضئيلة، فهؤلاء الكتَّاب أو الأطباء الذين عالجوا مشكلة العالم الإسلامي حاولوا أن يضعوا الأسس النظرية والعملية للمشكلة.

وهناك قوم حاولوا أن يقوموا بالتركيب العملي والصياغة الجديدة للعالم الإسلامي فأحسنوا وأفادوا ودفعوا وأيقظوا، كما أن بعض نظراتهم أو منطلقاتهم لم تكن في أماكنها الخاصة في تصنيف أركان العمل فكان لذلك كله آثاره الإيجابية والسلبية في آن واحد.

إن كل من أوتي حظاً من النظر في هذه المشكلة المهمة التي تخصُّ البشرية أولاً ومباشرة، والعالم كله ثانياً وتبعاً، وكل من يرى نصحاً يمكن أن يكون مفيداً في هذا الموضوع، يجب أن لا يدخر جهداً، ولا يحقر إسداء المعروف مهما كان صغيراً، فمن لم يهتم بقضايا المسلمين فليس منهم.

ونحن نريد أن نلفت النظر إلى جانب من هذه المشكلة، ناشئ عن مفهوم يخص الإنسان أو يخص مشكلة تغييره. فسنة الله في التغيير تبدأ بتغيير ما بنفس الإنسان، ونظرة الإنسان إلى كيفية التغيير ووسائله ولكن الخطأ قد يقع في الوسائل اكثر مما في الأهداف.

فالكل متفقون على ضرورة تغيير نفس الإنسان، ولكن قوماً يرون طرقاً معجلة كاستخدام القوة في تغيير النفس وحمل الناس على ذلك، وآخرون يرون طريقة التغيير بمخاطبة النفس وإقناعها.. هذه المشكلة مع سهولة عرضها تتصل بموضوع التربية الإنسانية، وتستند إلى القواعد الأولية في تربية الفرد والمجتمع، والخطأ في التربية يحدث كثيراً من العلل النفسية لكل من الذي يقوم بالتربية والذين هم موضوعها.

فالعالم الإسلامي أصيب بسطحية النظر في هذا الموضوع إذ امتزج أسلوب التربية بروح الإلزام أكثر من أن يكون بروح الإقناع، فجهلت قيمة الفكرة وجمدت، وأبرزت قيمة القوة وأخذت موضع الصدارة في محاولة التغيير.

أو يمكن أن يُقال: كان النظر إلى أهمية التأثير السياسي في التغيير، وأن الإمكان السياسي في مثل هذه الظروف صار متعلقاً بالقوة، فالمشكلات آخذ بعضها برقاب بعض.

وهذه المشكلات عامة في العالم الإسلامي، لا تخص بلداً بعينه، وإنما هي قاسم مشترك في جوهِّ الثقافي، وإن كان يمكن ملاحظة فروق ضئيلة ليس لها تأثير كبير في واقع الحياة.

وكان من نتائج تلك النظرات في الإصلاح هذا الشعور الذي نلاحظه في الفرد المسلم من أنه يعتقد ـ طبقاً لما يأمره دينه ـ أن عليه أن يعمل للإسلام ويقوم بواجب الوفاء لعقيدته، بينما يحس أنه ممنوع من ذلك.

فهو في صراع وتمزق بين دافع العقيدة ومانع الواقع، مدفوع ممنوع، يشعر أنه مكلف بما لا يستطيع. فكانت إرادته منفصلة عن ميدان عمله، أو استطاعته منفصلة عن إرادته.

فلابد من إعادة التوازن لئلا يتمزق جهد المسلم في هذا الدفع والمنع، ولكي يكشف المسلم كيف يستخدم طاقاته في تنفيذ إرادته حتى لا يبقى في تمزق نفسي، ولا يكون كرجل فيه شركاء متشاكون.

وهذا التمزق أو الصراع الداخلي ناشئ من نظرته إلى الأشياء ومن تفسيره لها، وليس ناشئاً من أن المشكلة لا حلَّ لها.

وهذه النظرة: هي طن أن المبدأ لا يمكن نشره إلا بالقوة، سواء كان ذلك مطلقاً أم بالأولوية. أي سواء أكان الظن بأن نشر المبدأ لا يمكن إلا بالقوة. أو أن نشره بالقوة أضمن للنجاح.

ورغم أن هذه النظرة غير مؤيدة بواقع الكفاح النَّبوي الذي لم يعتمد إلا على قوة الفكر، فإن عوامل مختلفة قد تضافرت على تثبيتها في نفس المسلم، حتى امتزجت بمثله العليا وتاريخه وعقيدته، وكل فخره وعظمة أسلافه.

كل هذه تعاضدت في تمسك المسلم اليوم، وعدم قدرته على إعلان أنه ليس في حاجة إلى استخدام غير فكرته في بناء المجتمع. ولقد ساعد على تأكيد هذا التراث التاريخي واقع الحياة في القرن التاسع عشر وما يليه، حين غزت هذه الفكرة البشرية فزاد تعلُّق المسلم ـ الذي لم يكن لديه مراقبة لسير التاريخ والعوامل التي تؤثر فيه ـ بها.

فهذه الأمور تجمعت حتى جعلت بين دعوة المسلم وبين استخدام وسائل العنف علاقة متينة ورابطة شديدة لم يتمكن معها من رؤية الموضوع على حقيقته.

وكونت لديه فعلاً شَرطياً منعكساً حلَّ معه المثير الشَّرطي محل المثير الطبيعي واقترن به.

ففي الوقت الذي استغل فيه من يريد قمع المسلم المثير الشَّرطي، عجز المسلم أن يكشف ذلك ويفصل القضية عن ملابساتها.

فالمثير الحقيقي هو الدعوة، إلا أن ارتباط استخدام وسائل العنف والأجهزة السرية في رحلة تاريخية مؤلمة، قد أجهد المسلم وشلَّ كفاحه. فهو بذلك يؤدي دوره في مصارعة الثيران ذلك المثل الذي ذكره مالك بن نبي في كتابه (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة)؛ كيف أن الثور الهائج يهجم على المنديل الأحمر الذي يحمله المصارع، ليصرفه عن الهدف الحقيقي، إلى هدف اصطناعي يمكنه أن يطعن فيه. فتعلقنا بالقوة وظننا أن طريق الإصلاح لا يمرُّ إلا من الحكم، لا أن الحكم نتيجة من نتائج الإصلاح، هو الذي جعل موقفنا بهذا الشكل.

إن الله يؤيد عباده المخلصين، ولكن الذين لا يسيرون على سُنَّة الله لا يشفع لهم إخلاصهم، ومحاولة حلِّ الموضوع بطريقة غير سوية لا تعطي النتائج، وعدم إعطاء النتائج يوقع في الحيرة، ثم هذه الحيرة تقعد الإنسان عن جهده المثمر.

واستمرار هذا الموقف يمكِّن الآخرين من الإدانة، وينسحب المسلم وكأنه لا يحمل رسالة ولا يدعو إلى هداية، في صورة متطفل حاول أن يأخذ ما ليس له بصورة غير شرعية، فأبعد عن ذلك، وبات متهماً، فهو يعيش في هذه الحالة القلقة.

هذا الصراع، وهذا الانسحاب، نتائج لأفكار أساسية متأصلة لابد من تغييرها، حتى يتغير موقف المسلم من المشكلات لأن الأزمة ليست في طبيعة المشكلات وإنما في كيفية تفسيرها.

وهذا هو الذي دعانا إلى أن نكتب هذا البحث.

والله الموفق للصواب

دمشق في رمضان 1385 هـ

جودتسعيد