العدو من وراءنا والتحدي من أمامنا

من Jawdat Said

مراجعة ١٥:٢٤، ٢٦ مارس ٢٠٠٩ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث
مجلة الكلمة السواء
مقالات مميزة
المقدمة
تمهيد
مقالات جديدة
الأمريكي المنشق، الفردانية كقضية الضمير
الذات والآخر في ضوء الإسلام
الشيء ونقيضه في علاقة الذات والآخر
العدو من وراءنا والتحدي من أمامنا
العصيان المدني
العقائد والتعايش
بماذا يحلم الإيرانيون
جودت سعيد داعية العلم والسلم
جودت سعيد في كلمات
جودت سعيد في لقاء مع رزان زيتونة
عصر الرشد (التوافق)، بيان من أجل نظام عالمي جديد
مراجعة لفوكو والثورة الإيرانية
هل القتل هو الحل
...المزيد


العدو من ورائنا والتحدي أمامنا

الكلمة السواء عفراء جلبي (اليوم الالكتروني)

صحيح أن غطرسة إسرائيل ضربت في الصميم وصحيح أن الامبراطور ظهر لنا بدون ثيابه. ولكن يجب أن نتذكر حقائق تاريخية مهمة. أن الشعوب لا تهزم. عندها مناعة داخلية. وأن الحكومات هي التي تُهزم لأنها ترتكز إلى شخصيات معينة ومؤسسات معينة.

وأن النصر على العدو لا يعني «الانتصار» أو الحل. وأن الهزيمة لا تعني النهاية.

ولقد أظهر تماما حزب الله صحة هذه القاعدة التاريخية. فاسرائيل بكل قوتها لم تستطع اخضاع حركة شعبية لبنانية. وأمريكا بكل جبروتها وقوتها العسكرية طردت مدحورة من ثلاثة أماكن في العالم على أيد شعوب بسيطة مشاكسة تتقاتل فيما بينها. فهي سحبت ذيول الهزيمة من فيتنام، ولبنان، والصومال.

الصومال ذلك البلد الصغير الفقير أرعد أمريكا وسحل الجنود الأمريكيين في الشوارع. طبعا سحلوا بعضهم أيضا وذبحوا بعضهم أيضا. وأمريكا خرجت من بين اللبنانيين في الثمانينات عندما كانوا ينتفون بعضهم ويغدرون ببعضهم. ولكنهم أرعبوها. وهكذا الفيتناميون أيضا. كلهم كانوا مشاكسين لا يمكن ترويضهم. لا دولة، لا مؤسسات، لا أرضية واضحة لنقطة الضرب. وهذا ما يحدث الآن في المنطقة العربية. عندما تبدأ الشعوب بأخذ أمورها بيدها فلن تستطيع قوى العالم أن تقف في وجهها. ليس بالسلاح. فهو أكثر ما تخزنه الحكومات العربية. ولكن روح الإيمان، والمقاومة والكرامة هي التي تعبئ الشعوب وهي التي تزيدها مناعة. وعندما يزداد وعي هذه الشعوب فلن تحتاج حتى للسلاح. فكل السلاح التي تخزنه جبهات الصمود والتصدي استعمل أكثره في مجازر داخلية.

والشجاعة الحقيقية تظهر بعد هزيمة الحكومات. وهذا ما حصل مع النازيين الألمان الذين قاومهم الشعب الفرنسي بكل بسالة بعد استسلام الحكومة الفرنسية. لأنها كانت حكومة فيشي ووزرائه. محصورة في أسماء وأماكن. ولكن لم يستسلم الشعب يوما الفرنسي للنازيين وبدأ مقاومته الضارية ضد العنصريين. وهكذا اليابان ايضا. رغم توقيع الامبراطور الياباني معاهدة الاستسلام بدون قيد وشرط لأمريكا بعد رمي القنابل النووية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، قام الشعب الياباني ونهض. وها هو اليابان يجلس الآن على نفس الطاولة مع أمريكا كلما اجتمع الثمانية الكبار.

خروج العدو من الدار لا يحل الأزمة. فأين الصومال الآن؟ وأين فرنسا؟ وأين اليابان؟ هل تتابعون ما يحدث في الصومال. الصومال الذي هزم أمريكا لا تزال الميلشيات تصول وتجول في عاصمته مقاديشو. في كل منطقة استطاع كل شعب أن ينتج ما عنده. فكل إناء بما فيه ينضخ. ولهذا حتى توقيع معاهدة استسلام مع العدو لا يعني استسلام الشعب. حتى بعد وقوع القنابل النووية، حتى بعد الدمار والفتك،

إذا الشعب يوما أراد الحياة ...... فلا بد أن يستجيب القدر

فهذه اليابان تغزو أمريكا ليس بخطف الطائرات، وحمل الشامبوات المتفجرة، وإنما تغزوها بسياراتها وكاميراتها، وأجهزة الفيديو، والساعات. بل حتى تغزونا في أجهزة تؤذن لنا وقت كل صلاة. ليس بالياباني، بل بالعربي، يا أخوتي من أهل الضاد. وماذا تفعل فرنسا هذه الأيام التي غزتها ألمانيا وقتلت وشنعت في شعبها؟ هل تجلس كل يوم تندب وتنوح متمسكة بأصابع الاتهام الأبدية؟ لا، أبدا. فرنسا وألمانيا الآن متحدتان. فهما فعليا دولة واحدة مع بقية الشعوب الأوروبية في «الوحدة الأوروبية،» بنفس العملة وبحدود مفتوحة وفي طريقها إلى تأسيس جيش «ما فوق وطني» لحماية أوروبا كلها بدون خدمة مصلحة وطنية على أخرى. وليس «ألمانيا فوق الجميع» كما كان النشيد الوطني الهتلري، وليس ببطولات نابليون وعنترياته سواء برجال كاملين أو أنصاف رجال.

يجب أن نسير في الأرض وننظر كيف كان عاقبة الذين من قبلنا. وتحدينا الآن كبير. بل أكبر من قبل، لأننا بدأنا نكتشف أن العدو ليس مشكلتنا الحقيقية. وهذا تماما ما كان يعنيه موسى في القرآن عندما شكا قومه رفضه للدخول في صراع عنفي مع فرعون. قال لهم: «عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون.»

هذا هو التحدي الآن. كيف سنعامل بعضنا كدول وكأفراد؟ كيف سنصون حقوق بعضنا؟ هل سنتمكن من أن نكون جديرين بأن نكون خلفاء في الأرض؟ إننا عالم كبير بتعداد سكانه وثرواته وإمكاناته. نحن كثر، ولكننا كما قال لنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) قبل 14 قرنا فإننا الآن كغثاء السيل. لماذا نقلد الغرب في سلاحه، وثوراته الدموية القديمة، وقومياته العفنة، بينما هذه أوروبا الآن تتحد، وكل دولة لها كيانها وكل رئيس لا يزال على كرسيه؟ لماذا نقلدهم في تاريخهم الدموي، وليس في حلولهم الديمقراطية واتحادهم؟ سيكون هذا أكبر من أي سلاح، ومن أي زلزال، أو فجر متفجر.