التباس الرشد بالغي
من Jawdat Said
ينبغي ألاّ نضيع تسلسل الأفكار، ينبغي ألا نفقد اليد البيضاء، ينبغي ألا نفقد الفكر الأبيض، ينبغي ألاّ نلوث الفكر، وأَلاّ نلوث اليد، ينبغي ألا نلوث الإيمان، ولكن كيف يكون تلويث الإيمان؟
لا تنس أن ما تطلق عليه اسم الإيمان وتظن أنه غير قابل للتلوث، هو في الحقيقة قابل للتلوث.
إن الإيمان، كما قلنا سابقاً، ذو طبيعة مزدوجة، وأنه كما يمكن أن يكون بالحق، كذلك يمكن أن يكون بالباطل، فالذي يؤمن بالحق مؤمن بالحق، والذي يؤمن بالباطل مؤمن بالباطل، وقد يختلط الحق بالباطل، وقد يلتبس الإيمان بالكفر، ولهذا تأمل جيداً قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأنعام: 6/82.
كيف التبس إيماننا بالظلم؟ كيف التبس الحق بالباطل؟ كيف فقدنا الأمن، وكيف فقدنا الأمانة التي حملها الإنسان؟ كيف تلوثنا؟ كيف أجزنا الغدر؟
ينبغي أن نضع حداً فاصلاً بين الحق الذي يُصنع بالقوة، وبين الحق الذي يَصنع القوة.
علينا أن نكثر من العبارات، علينا أن نفرق بين الدين الذي يجيز صنع المجتمع وصنع الحكم بالقوة والعنف والغدر، وبين الدين الذي يحّرم صنع المجتمع بالقوة العنيفة، ويحّرم صنع الحكم بالاغتيال والغدر والعنف، يا قوم! الدين لا يكون بالإكراه، والمجتمع المكرَه والمقهور أسير من يملك القوة وليس مع الذي يملك الحق.
عند هذه النقطة يحدث الالتباس، ويحصل الزيغ، وتزيغ الأبصار، وتلوى الأعناق، ويحدث الاشتباه وتتكاثر الشبهات، وتختلط شريعة الغاب بشريعة الله، وتختلط شريعة الطاغوت بشريعة الله، ويحصل الالتباس بين الإيمان بالله والإيمان بالطاغوت.
تذكر قوله تعالى: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) البقرة: 2/256.
غير أن الرشد التبس بالغي عندنا، وما لم يحصل الفرقان في هذه النقطة، وما لم يتبين الفاصل بين الرشد والغي، والجاهلية والإسلام، وشريعة الغاب وشريعة الإنسان وشريعة العدل، فإن كل سعينا باطل، وكل جهدنا لا قيمة له، وكل بنائنا يكون مبنياً على شفا جرف هار، ولا يكون بنياناً مؤسساً على تقوى وإيمان وإسلام، فإذا حصل التمييز والتفريق بوضوح عند هذه النقطة، فكل الذي يأتي بعد ذلك يكون مفصولاً ومميزاً، فلا نتجادل، ولا نتفاءل، ويكون سعينا في النور لا في الظلام، والحق أن هذا الكتاب الذي أكتبه، وما سيكتبه أي إنسان معي أو بعدي، لا قيمة له إن لم يحصل هذا التمييز.
اللهم اجعل لنا فرقاناً، وأخرجنا من الظلمات، واهدنا إلى سبيل الرشاد.