«يمكن أن تقتلني ولكن لا يمكنك أن تجعل مني قاتلاً»: الفرق بين المراجعتين

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
سطر ١: سطر ١:
 
==جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))==
 
==جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))==
  
ينقل محمد أركون في مقدمة كتابه (قضايا في نقد العقل الديني) عن عالم الاجتماع (بيير بورديو) أنه قال: "إذا ما حصل لي أن ركزت على الموضوعات ذاتها وعدت إليها مراراً وتكراراً، وإذا ما حصل لي أكثر من مرة أن درست المسائل نفسها وأشبعتها تمحيصاً وتحليلاً، فإن ذلك عائد ليس الى رغبة في الاجترار المجاني أو الهوس المرضي وإنما أريد عن طريق هذه الحركة اللولبية في الدراسة (الالتفاف على الموضوعات). أن أصل في كل مرة الى درجة أعلى وأدق من الفهم للمسائل المطروحة كما أن ذلك يتيح لي في كل مرة أن أكتشف علاقات خفية، علاقات جديدة لم ألمحها سابقاً وبالتالي فإني لا أفعل ذلك من أجل التكرار أو حباً في الاجترار وإنما من أجل شئ آخر" إن العنف مرض الإنسان وهو الأسلوب الذي لا يليق بالإنسان وأن إنسانيته هو خروجه من العنف واني حين ألح على هذا الموضوع، دينياً وتاريخياً وإنسانياً، أفعل ذلك لأن سلامة فكر الإنسان تكون على قدر ما توصل إليه من براءة عن العنف وخروجٍ منه إن الإنسان صار قابلاً للفهم هذا هو الأساس لبحث هذا الموضوع: إن العنف يبدأ أول ما يبدأ في القلب في الفكر في التصور، ثم ينتقل ذلك الى اللسان وسيلة نقل الفكر والتصور الى إنسان آخر، ثم ينتقل ذلك الى اليد، ليفرض تصوره على الآخر بالعنف والإكراه وإن يد الإنسان وقوة عضلاته تضخمت الى العصا والحجارة والسيف والسلاح الناري ثم القنبلة النووية التي شهدت للإنسان وعلى الإنسان أن يخرج من هذا الأسلوب ليرجع الى أسلوب آخر أسلوب نقل التصور على أساس العواقب للتصورات فالتصور والفهم الذي يعطي عواقب مفيدة للبشرية لا يحتاج إلا الى البيان والتبليغ للإيصال الى الآخرين والعنف في القلب أي في الفكر ينشأ من التصور الخاطئ للإنسان في أن أفضل استخدام للإنسان يكون بإكراهه، إن هذا التصور هو الذي يؤدي الى إعطاء الأولوية للعنف وأدواته حتى إن الإيمان بهذا التصور أدى الى الاستخفاف بالعلم والكتاب والقلم كما هو مبثوث في الثقافات البشرية خلال التاريخ الى يومنا هذا فإن الأولوية لهذا الإيمان في التعامل مع الإنسان وهذا الموضوع ليس صعباً، فهو واقع عملي أمامنا ولكن ما أسرع ما نتراجع عن هذا عند اشتداد الأزمات نرجع الى القيم الأولية التي ترسخت خلال التاريخ والبطولات والتبجيلات الخيالية للبطولات العنفية إن الناس يحترمون العالِم ولا يخطر في بالهم حين يفعلون ذلك أنه صاحب عضلات قوية ومصارع يقضي على خصمه بالضربة القاضية هذا له مكان آخر لا يتصل بالعلم والإنسان وقدراته، إن عظمة الإنسان ليس على قدر بطشه "وليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" والقدرة على كظم الغيظ درجة ثانية والأوْلى أن لا يحدث في قلبنا غيظ بل سرور أننا خرجنا من شريعة الغاب الى شريعة الفهم بالعواقب وحل المشكلات من غير أن يخسر أحد شيئاً ويربح الجميع والذي عنده مثل هذا الحل لا يَحْدث ولا يتكون الغيظ والكراهية في قلبه وتصوره وأنا أجد أساس هذا كله في قوله تعالى: "سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" فحين نفهم قدرة الإنسان على كشف القوانين فإذا كشف القوانين والسنن تمكن من التسخير، إن الإنسان سخر الحيوانات التي خُلِقت قبل الإنسان فاستأنسها وسخرها وزاد من قوة عضلاته. ولكن قدرة الإنسان على كشف السنن جعله يستنبط من مشاهداته وسنن هذه المشاهدات طاقة البخار والمحرك البخاري والانفجاري والكهربائي إن الله حين قال بعد ذكر الخيل والبغال والحمير لما قال: (ويخلق مالا تعلمون) فقد رأينا ما خلق الله! ومعنى خلق الله هنا ليس أنه خلق المحرك البخاري ولكن خلق السنن كلها وقدرة الإنسان على تسخير هذه السنن فهذه السنن الآفاقية المادية مع السنن الأنفسية وكلا السنتين الآفاقية والأنفسية من منحة الله المجانية وقدرة الإنسان على التعامل مع هذه السنن وتسخيرها هو الرأسمال الموهوب من الله للإنسان والإنسان يعمل في هذا الرأسمال الذي لا نفاذ له الشموس والمجرات كلها طاقات وكلها مسخرة للإنسان، القادر على كشف السنن وتسخيره ولما قال ويخلق مالا تعلمون ونحن نقول كما قال ذلك الصوفي (والآن كما كان) يخلق مالا نعلم في المستقبل إن مثل هذا التصور في الكون وعن الكون وللكون ينزع الغل والكراهية من القلب من تصور الإنسان فيتصور الكون كله مسخراً له كله رحمة كله مبني على فضل القيمة من الرأسمال المجاني، لأن سخر بمعنى كلفه عملاً بغير أجرة فتصور الكون والإنسان بهذا الفهم يجعل في القلب صفاء ونقاء وتفاؤلاً لا كدر فيه ولا ظلام ولا يأس وإنما صبر على الكشف والتسخير فلا قلبه يحتوي على الغل والحقد لآيات الآفاق والأنفس حيث التسخير يأتي بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف بغير حساب "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء" ونحن في هذا العصر رأينا من مظاهر قدرة الإنسان على التسخير ما لم يتيسر للذين من قبلنا ولم يكن ليخطر لهم على بال فلهذا نحن لنا قدرة على فهم (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً) أكثر من الذين كانوا قبلنا وسيكون للذين يأتون من بعدنا قدرة أكبر منا حتى يتحقق علم الله في الإنسان وعلم الله لانهاية له فحين يخرج من قلبنا الغل والحقد والكراهية نكون حصلنا على القلب السليم وعلى النفس المطمئنة وعلى التصور الصحيح لهذا العالم، فيحل عند ذلك في القلب الطمأنينة، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.  
+
ينقل محمد أركون في مقدمة كتابه (قضايا في نقد العقل الديني) عن عالم الاجتماع (بيير بورديو) أنه قال: "إذا ما حصل لي أن ركزت على الموضوعات ذاتها وعدت إليها مراراً وتكراراً، وإذا ما حصل لي أكثر من مرة أن درست المسائل نفسها وأشبعتها تمحيصاً وتحليلاً، فإن ذلك عائد ليس الى رغبة في الاجترار المجاني أو الهوس المرضي وإنما أريد عن طريق هذه الحركة اللولبية في الدراسة (الالتفاف على الموضوعات). أن أصل في كل مرة الى درجة أعلى وأدق من الفهم للمسائل المطروحة كما أن ذلك يتيح لي في كل مرة أن أكتشف علاقات خفية، علاقات جديدة لم ألمحها سابقاً وبالتالي فإني لا أفعل ذلك من أجل التكرار أو حباً في الاجترار وإنما من أجل شئ آخر" إن العنف مرض الإنسان وهو الأسلوب الذي لا يليق بالإنسان وأن إنسانيته هو خروجه من العنف واني حين ألح على هذا الموضوع، دينياً وتاريخياً وإنسانياً، أفعل ذلك لأن سلامة فكر الإنسان تكون على قدر ما توصل إليه من براءة عن العنف وخروجٍ منه إن الإنسان صار قابلاً للفهم هذا هو الأساس لبحث هذا الموضوع: إن العنف يبدأ أول ما يبدأ في القلب في الفكر في التصور، ثم ينتقل ذلك الى اللسان وسيلة نقل الفكر والتصور الى إنسان آخر، ثم ينتقل ذلك الى اليد، ليفرض تصوره على الآخر بالعنف والإكراه وإن يد الإنسان وقوة عضلاته تضخمت الى العصا والحجارة والسيف والسلاح الناري ثم القنبلة النووية التي شهدت للإنسان وعلى الإنسان أن يخرج من هذا الأسلوب ليرجع الى أسلوب آخر أسلوب نقل التصور على أساس العواقب للتصورات فالتصور والفهم الذي يعطي عواقب مفيدة للبشرية لا يحتاج إلا الى البيان والتبليغ للإيصال الى الآخرين والعنف في القلب أي في الفكر ينشأ من التصور الخاطئ للإنسان في أن أفضل استخدام للإنسان يكون بإكراهه، إن هذا التصور هو الذي يؤدي الى إعطاء الأولوية للعنف وأدواته حتى إن الإيمان بهذا التصور أدى الى الاستخفاف بالعلم والكتاب والقلم كما هو مبثوث في الثقافات البشرية خلال التاريخ الى يومنا هذا فإن الأولوية لهذا الإيمان في التعامل مع الإنسان وهذا الموضوع ليس صعباً، فهو واقع عملي أمامنا ولكن ما أسرع ما نتراجع عن هذا عند اشتداد الأزمات نرجع الى القيم الأولية التي ترسخت خلال التاريخ والبطولات والتبجيلات الخيالية للبطولات العنفية إن الناس يحترمون العالِم ولا يخطر في بالهم حين يفعلون ذلك أنه صاحب عضلات قوية ومصارع يقضي على خصمه بالضربة القاضية هذا له مكان آخر لا يتصل بالعلم والإنسان وقدراته، إن عظمة الإنسان ليس على قدر بطشه "وليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" والقدرة على كظم الغيظ درجة ثانية والأوْلى أن لا يحدث في قلبنا غيظ بل سرور أننا خرجنا من شريعة الغاب الى شريعة الفهم بالعواقب وحل المشكلات من غير أن يخسر أحد شيئاً ويربح الجميع والذي عنده مثل هذا الحل لا يَحْدث ولا يتكون الغيظ والكراهية في قلبه وتصوره وأنا أجد أساس هذا كله في قوله تعالى: [[الأجنة القرآنية|سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون]]) فحين نفهم قدرة الإنسان على كشف القوانين فإذا كشف القوانين والسنن تمكن من التسخير، إن الإنسان سخر الحيوانات التي خُلِقت قبل الإنسان فاستأنسها وسخرها وزاد من قوة عضلاته. ولكن قدرة الإنسان على كشف السنن جعله يستنبط من مشاهداته وسنن هذه المشاهدات طاقة البخار والمحرك البخاري والانفجاري والكهربائي إن الله حين قال بعد ذكر الخيل والبغال والحمير لما قال: (ويخلق مالا تعلمون) فقد رأينا ما خلق الله! ومعنى خلق الله هنا ليس أنه خلق المحرك البخاري ولكن خلق السنن كلها وقدرة الإنسان على تسخير هذه السنن فهذه السنن الآفاقية المادية مع السنن الأنفسية وكلا السنتين الآفاقية والأنفسية من منحة الله المجانية وقدرة الإنسان على التعامل مع هذه السنن وتسخيرها هو الرأسمال الموهوب من الله للإنسان والإنسان يعمل في هذا الرأسمال الذي لا نفاذ له الشموس والمجرات كلها طاقات وكلها مسخرة للإنسان، القادر على كشف السنن وتسخيره ولما قال ويخلق مالا تعلمون ونحن نقول كما قال ذلك الصوفي (والآن كما كان) يخلق مالا نعلم في المستقبل إن مثل هذا التصور في الكون وعن الكون وللكون ينزع الغل والكراهية من القلب من تصور الإنسان فيتصور الكون كله مسخراً له كله رحمة كله مبني على فضل القيمة من الرأسمال المجاني، لأن سخر بمعنى كلفه عملاً بغير أجرة فتصور الكون والإنسان بهذا الفهم يجعل في القلب صفاء ونقاء وتفاؤلاً لا كدر فيه ولا ظلام ولا يأس وإنما صبر على الكشف والتسخير فلا قلبه يحتوي على الغل والحقد لآيات الآفاق والأنفس حيث التسخير يأتي بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف بغير حساب "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء" ونحن في هذا العصر رأينا من مظاهر قدرة الإنسان على التسخير ما لم يتيسر للذين من قبلنا ولم يكن ليخطر لهم على بال فلهذا نحن لنا قدرة على فهم [[الأجنة القرآنية|وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً]]) أكثر من الذين كانوا قبلنا وسيكون للذين يأتون من بعدنا قدرة أكبر منا حتى يتحقق علم الله في الإنسان وعلم الله لانهاية له فحين يخرج من قلبنا الغل والحقد والكراهية نكون حصلنا على القلب السليم وعلى النفس المطمئنة وعلى التصور الصحيح لهذا العالم، فيحل عند ذلك في القلب الطمأنينة، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.  
 
== ==
 
== ==
 
إن ذكر الله ذكر سننه وذكر نعمه اذكروا نعمة الله واذكروا أيامه اذكروا النعم واشكروه يزده لكم واذكروا نِقَمه والتصورات الخاطئة لخلقه ولسنن خلقه كانت الكهرباء صاعقة تقتل وتدمر فأمسك بها الإنسان وحولها الى نعمة ما ورائها نعمة حولها الى نور ودفء وخدمة ولم تنته بعد تسخيراتها ومن هنا نستطيع أن نقول أن الإنسان لا يحصل على السعادة التي هي الرضوان والنفس المطمئنة إلا إذا سَلِمَ تصوره للكون ولنفسه فمن هنا تبرز أهمية العقيدة والتصور الصحيح والتفسير السليم في الحياة الإنسانية فإن التصورات الخاطئة هي التي تصنع النفس الأمارة بالسوء، وتصنع المجتمعات السقيمة والحضارات الحاقدة المغلولة والإنسانية المعذبة"يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" إن التصورات الصحيحة تورث الحياة الطيبة والتصورات السقيمة توجِد الحياة المعقدة المتشائمة المظلمة إن العالم مريض بالعنف ومليء بالحقد وليس في العالم إلا مذهبان، مذهب العنف والتدمير، ومذهب اللاعنف واللاإكراه، المؤمنون بالإنسان أنه يعطي بالرفق مالا يعطي على العنف والإكراه لهذا كان (لا إكراه في الدين) وبهذا تبين الرشد من الغي تبين الدين الصحيح من الخطأ وتبين الكفر بالطاغوت الذي هو الإكراه والمعجون من طينة الكراهية والخوف وتبين الإيمان بالله الذي ليس في دينه إكراه وبهذا تبين أيضاً الذي استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . ومن هنا نعلم أن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور وأن الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات وأن ابن آدم الذي تُقُبل عمله ونجح تسخيره، قال لأخيه الذي لم يتقبل عمله ولجأ الى القتل:    لأقتلنك! فقال أخوه له :إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.
 
إن ذكر الله ذكر سننه وذكر نعمه اذكروا نعمة الله واذكروا أيامه اذكروا النعم واشكروه يزده لكم واذكروا نِقَمه والتصورات الخاطئة لخلقه ولسنن خلقه كانت الكهرباء صاعقة تقتل وتدمر فأمسك بها الإنسان وحولها الى نعمة ما ورائها نعمة حولها الى نور ودفء وخدمة ولم تنته بعد تسخيراتها ومن هنا نستطيع أن نقول أن الإنسان لا يحصل على السعادة التي هي الرضوان والنفس المطمئنة إلا إذا سَلِمَ تصوره للكون ولنفسه فمن هنا تبرز أهمية العقيدة والتصور الصحيح والتفسير السليم في الحياة الإنسانية فإن التصورات الخاطئة هي التي تصنع النفس الأمارة بالسوء، وتصنع المجتمعات السقيمة والحضارات الحاقدة المغلولة والإنسانية المعذبة"يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" إن التصورات الصحيحة تورث الحياة الطيبة والتصورات السقيمة توجِد الحياة المعقدة المتشائمة المظلمة إن العالم مريض بالعنف ومليء بالحقد وليس في العالم إلا مذهبان، مذهب العنف والتدمير، ومذهب اللاعنف واللاإكراه، المؤمنون بالإنسان أنه يعطي بالرفق مالا يعطي على العنف والإكراه لهذا كان (لا إكراه في الدين) وبهذا تبين الرشد من الغي تبين الدين الصحيح من الخطأ وتبين الكفر بالطاغوت الذي هو الإكراه والمعجون من طينة الكراهية والخوف وتبين الإيمان بالله الذي ليس في دينه إكراه وبهذا تبين أيضاً الذي استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . ومن هنا نعلم أن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور وأن الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات وأن ابن آدم الذي تُقُبل عمله ونجح تسخيره، قال لأخيه الذي لم يتقبل عمله ولجأ الى القتل:    لأقتلنك! فقال أخوه له :إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.

مراجعة ١٣:٣٨، ١٠ فبراير ٢٠٠٩

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

ينقل محمد أركون في مقدمة كتابه (قضايا في نقد العقل الديني) عن عالم الاجتماع (بيير بورديو) أنه قال: "إذا ما حصل لي أن ركزت على الموضوعات ذاتها وعدت إليها مراراً وتكراراً، وإذا ما حصل لي أكثر من مرة أن درست المسائل نفسها وأشبعتها تمحيصاً وتحليلاً، فإن ذلك عائد ليس الى رغبة في الاجترار المجاني أو الهوس المرضي وإنما أريد عن طريق هذه الحركة اللولبية في الدراسة (الالتفاف على الموضوعات). أن أصل في كل مرة الى درجة أعلى وأدق من الفهم للمسائل المطروحة كما أن ذلك يتيح لي في كل مرة أن أكتشف علاقات خفية، علاقات جديدة لم ألمحها سابقاً وبالتالي فإني لا أفعل ذلك من أجل التكرار أو حباً في الاجترار وإنما من أجل شئ آخر" إن العنف مرض الإنسان وهو الأسلوب الذي لا يليق بالإنسان وأن إنسانيته هو خروجه من العنف واني حين ألح على هذا الموضوع، دينياً وتاريخياً وإنسانياً، أفعل ذلك لأن سلامة فكر الإنسان تكون على قدر ما توصل إليه من براءة عن العنف وخروجٍ منه إن الإنسان صار قابلاً للفهم هذا هو الأساس لبحث هذا الموضوع: إن العنف يبدأ أول ما يبدأ في القلب في الفكر في التصور، ثم ينتقل ذلك الى اللسان وسيلة نقل الفكر والتصور الى إنسان آخر، ثم ينتقل ذلك الى اليد، ليفرض تصوره على الآخر بالعنف والإكراه وإن يد الإنسان وقوة عضلاته تضخمت الى العصا والحجارة والسيف والسلاح الناري ثم القنبلة النووية التي شهدت للإنسان وعلى الإنسان أن يخرج من هذا الأسلوب ليرجع الى أسلوب آخر أسلوب نقل التصور على أساس العواقب للتصورات فالتصور والفهم الذي يعطي عواقب مفيدة للبشرية لا يحتاج إلا الى البيان والتبليغ للإيصال الى الآخرين والعنف في القلب أي في الفكر ينشأ من التصور الخاطئ للإنسان في أن أفضل استخدام للإنسان يكون بإكراهه، إن هذا التصور هو الذي يؤدي الى إعطاء الأولوية للعنف وأدواته حتى إن الإيمان بهذا التصور أدى الى الاستخفاف بالعلم والكتاب والقلم كما هو مبثوث في الثقافات البشرية خلال التاريخ الى يومنا هذا فإن الأولوية لهذا الإيمان في التعامل مع الإنسان وهذا الموضوع ليس صعباً، فهو واقع عملي أمامنا ولكن ما أسرع ما نتراجع عن هذا عند اشتداد الأزمات نرجع الى القيم الأولية التي ترسخت خلال التاريخ والبطولات والتبجيلات الخيالية للبطولات العنفية إن الناس يحترمون العالِم ولا يخطر في بالهم حين يفعلون ذلك أنه صاحب عضلات قوية ومصارع يقضي على خصمه بالضربة القاضية هذا له مكان آخر لا يتصل بالعلم والإنسان وقدراته، إن عظمة الإنسان ليس على قدر بطشه "وليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" والقدرة على كظم الغيظ درجة ثانية والأوْلى أن لا يحدث في قلبنا غيظ بل سرور أننا خرجنا من شريعة الغاب الى شريعة الفهم بالعواقب وحل المشكلات من غير أن يخسر أحد شيئاً ويربح الجميع والذي عنده مثل هذا الحل لا يَحْدث ولا يتكون الغيظ والكراهية في قلبه وتصوره وأنا أجد أساس هذا كله في قوله تعالى: سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فحين نفهم قدرة الإنسان على كشف القوانين فإذا كشف القوانين والسنن تمكن من التسخير، إن الإنسان سخر الحيوانات التي خُلِقت قبل الإنسان فاستأنسها وسخرها وزاد من قوة عضلاته. ولكن قدرة الإنسان على كشف السنن جعله يستنبط من مشاهداته وسنن هذه المشاهدات طاقة البخار والمحرك البخاري والانفجاري والكهربائي إن الله حين قال بعد ذكر الخيل والبغال والحمير لما قال: (ويخلق مالا تعلمون) فقد رأينا ما خلق الله! ومعنى خلق الله هنا ليس أنه خلق المحرك البخاري ولكن خلق السنن كلها وقدرة الإنسان على تسخير هذه السنن فهذه السنن الآفاقية المادية مع السنن الأنفسية وكلا السنتين الآفاقية والأنفسية من منحة الله المجانية وقدرة الإنسان على التعامل مع هذه السنن وتسخيرها هو الرأسمال الموهوب من الله للإنسان والإنسان يعمل في هذا الرأسمال الذي لا نفاذ له الشموس والمجرات كلها طاقات وكلها مسخرة للإنسان، القادر على كشف السنن وتسخيره ولما قال ويخلق مالا تعلمون ونحن نقول كما قال ذلك الصوفي (والآن كما كان) يخلق مالا نعلم في المستقبل إن مثل هذا التصور في الكون وعن الكون وللكون ينزع الغل والكراهية من القلب من تصور الإنسان فيتصور الكون كله مسخراً له كله رحمة كله مبني على فضل القيمة من الرأسمال المجاني، لأن سخر بمعنى كلفه عملاً بغير أجرة فتصور الكون والإنسان بهذا الفهم يجعل في القلب صفاء ونقاء وتفاؤلاً لا كدر فيه ولا ظلام ولا يأس وإنما صبر على الكشف والتسخير فلا قلبه يحتوي على الغل والحقد لآيات الآفاق والأنفس حيث التسخير يأتي بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف بغير حساب "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء" ونحن في هذا العصر رأينا من مظاهر قدرة الإنسان على التسخير ما لم يتيسر للذين من قبلنا ولم يكن ليخطر لهم على بال فلهذا نحن لنا قدرة على فهم وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً) أكثر من الذين كانوا قبلنا وسيكون للذين يأتون من بعدنا قدرة أكبر منا حتى يتحقق علم الله في الإنسان وعلم الله لانهاية له فحين يخرج من قلبنا الغل والحقد والكراهية نكون حصلنا على القلب السليم وعلى النفس المطمئنة وعلى التصور الصحيح لهذا العالم، فيحل عند ذلك في القلب الطمأنينة، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

إن ذكر الله ذكر سننه وذكر نعمه اذكروا نعمة الله واذكروا أيامه اذكروا النعم واشكروه يزده لكم واذكروا نِقَمه والتصورات الخاطئة لخلقه ولسنن خلقه كانت الكهرباء صاعقة تقتل وتدمر فأمسك بها الإنسان وحولها الى نعمة ما ورائها نعمة حولها الى نور ودفء وخدمة ولم تنته بعد تسخيراتها ومن هنا نستطيع أن نقول أن الإنسان لا يحصل على السعادة التي هي الرضوان والنفس المطمئنة إلا إذا سَلِمَ تصوره للكون ولنفسه فمن هنا تبرز أهمية العقيدة والتصور الصحيح والتفسير السليم في الحياة الإنسانية فإن التصورات الخاطئة هي التي تصنع النفس الأمارة بالسوء، وتصنع المجتمعات السقيمة والحضارات الحاقدة المغلولة والإنسانية المعذبة"يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" إن التصورات الصحيحة تورث الحياة الطيبة والتصورات السقيمة توجِد الحياة المعقدة المتشائمة المظلمة إن العالم مريض بالعنف ومليء بالحقد وليس في العالم إلا مذهبان، مذهب العنف والتدمير، ومذهب اللاعنف واللاإكراه، المؤمنون بالإنسان أنه يعطي بالرفق مالا يعطي على العنف والإكراه لهذا كان (لا إكراه في الدين) وبهذا تبين الرشد من الغي تبين الدين الصحيح من الخطأ وتبين الكفر بالطاغوت الذي هو الإكراه والمعجون من طينة الكراهية والخوف وتبين الإيمان بالله الذي ليس في دينه إكراه وبهذا تبين أيضاً الذي استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . ومن هنا نعلم أن الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور وأن الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات وأن ابن آدم الذي تُقُبل عمله ونجح تسخيره، قال لأخيه الذي لم يتقبل عمله ولجأ الى القتل: لأقتلنك! فقال أخوه له :إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.

أخاف الله الذي سخر لي ما في السماوات وما في الأرض ووهب لي قدرة التسخير بدون عنف وبدون تدمير، أنا صرت خلقاً آخر لن أرجع الى شريعة الغاب كلنا سنموت ولكن ينبغي أن أموت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله كلنا سنموت سواء من شهد لله الذي كرم بني آدم ومن كفر وتراجع فكأن ابن آدم يقول: (يمكن أن تقتلني ولكن لا يمكنك أن تجعل مني قاتلاً)!.