يأبى الله إلا أن يتم نوره

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

إن رؤية تسلسل التنوير الذي حدث للإنسان وكيف خرج من الظلمات إلى النور ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) إن فهم الكون على أنه ليس خلق وانتهى وإنما هذا الكون خلق ينمو ويزيد في النمو وإلى الأفضل دائما ويحكمه قانون أن الأنفع يمكث وأن الذي لم يعد ينفع يذهب جفاء ولتصور هذا الكون وكيف يتم فيه نظام سير حركة الحق والباطل أثر كبير في تنوير الإنسان وإخراجه من الظلمات إلى النور من الحيرة والخوف والجبن إلى برد اليقين والبصيرة النافذة وإلى الأمن فهذا الكون يحكمه هذا القانون الإلهي الراسخ فلما يقول الله ( كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) هذا حكم الله ينبغي أن نبصره في واقع الخلق _ أي أدلة هذا التصور من الآفاق والأنفس _ لأن العلاقة بين آيات الآفاق والأنفس مع آيات الكتاب علاقة محكمة هو الذي يعطي التنوير لفهم آيات الكتاب وفهم آيات الكتاب يعطي قوة زائدة لأن تواطؤ آيات الآفاق والأنفس مع آيات الكتاب ليزداد الذين أوتوا الكتاب طمأنينة وأمنا وتفاؤلا بل إن الذي لا يفهم نظام الكون بما فيه الإنسان إنه يتقدم إلى الأفضل.

فالذي لا يفهم هذا هو الذي يصاب باليأس والإحباط والكتاب القرآن الذي يصدق كل الكتب ويحمل رسالة جميع كتب الله وجميع ما جاء به السابقون من أنبياء يحكم على اليأس بأنه شيمة الكافرين ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )

لما نقرأ هذه الآية في الكتاب يحصل عند الإنسان أمل وثقة بصدق الله ولكن الذي يزيل اليأس حقا هو أن يضيف إلى إيمانه بكلمات الله هذه رؤية واقعية في تاريخ الوجود من أن نور الله سيتحقق لأنه يشاهد في واقع الحياة من أن الإنسان خليفة الله في الأرض الإنسان كل الإنسان وليس صنفا معينا من الناس يتقدمون إلى الأفضل وخلال التاريخ البعيد والقريب يظهر هذا ونحن نلتقي مع معظم الناس ونراهم حيارى فاقدين للأمل لا يرون بصيصا من النور الذي يبعث فيهم الحياة لأن هؤلاء لا يستطيعون أن يتصوروا الإنسان كيف كان عريانا ويعيش في الطبيعة ولم يكن بنا البيوت ولا تعلم الزراعة وكيف ببط ء شديد تعلم الإنسان التكيف مع الطبيعة إن كشف إمكانية الحفاظ على النار أو إعادة إيقادها بعد انطفائها وتعلم الإنسان للزراعة هذه أحداث كبيرة ففهمها جيدا يعلمنا كيف أنه يمكن للإنسان الآن أن يتجاوز المشكلات الحالية كما تجاوز المشكلات الماضية إن تقديم وصف صادق ودقيق للمشكلات التي عانى منها الإنسان بأمثلة قريبة ومبسطة يجعل الإنسان مبتهجا منشرحا لأنه يكشف الزيادة في الخلق وأن الخلق ليس توقف وانتهى وإلى الانحدار وإنما إلى النمو وحل المشكلات وتقليل المعاناة كيف لما كشف الزراعة توسعت حياة الإنسان وبنا القرى وبدأ التخصيص في الأعمال يزيد من مهارة الإنسان وإتقان عمله وإتقان أدواته التي يستخدمها والآن الإنسانية تزيد من نمو الإنسان وقدرته على حل المشكلات لأن الاكتشافات تكون من أفراد ولكن تعم الناس هذه الاكتشافات ويتفهمون كيفية صنعها وشروطها مثلا الآن لما نرى الاتحاد الأوربي هذا الحدث حدث جديد في تاريخ البشرية لم يحدث من قبل مثل هذا الحدث نعم قد وجدت سابقا إمبراطوريات واسعة حتى أن البحر الأبيض المتوسط كان بمثابة بحيرة رومانية في الشمال والجنوب ولكن المفاهيم التي كانت مسيطرة على الناس والأدوات التي كانت تصنع مثل هذه الإمبراطوريات مختلفة نوعيا حيث كانت القوات المسلحة هي التي تفتح البلاد والناس فيها طبقات السادة والعبيد ولكن الوحدة الأوربية التي تحدث الآن مختلفة كليا لأن الذين يخططون لهذه الوحدة منذ نصف قرن يتقدمون بخطى ثابتة وتخطيط دقيق وليس الذي يفرض هذه الوحدة قوة دولة معينة نعم إن أوربة قامت بحربين عالميتين في النصف الأول من القرن الماضي ووصل الألمان في الحرب الثانية إلى روسية وإلى غربي أفريقية ولكن لم يكن لينتج عنه توحيد أوربة بالقوة والفتح كما كان فعل ذلك أيضا فرنسا نابليون قبل قرنين من الزمان ولكن نابليون مات منفيا ومات الألماني هتلر منتحرا مدحورا ولكن الألمان والفرنسيون العدوين اللدودين يتحدون الآن بدون حروب وبدون انتصارات عسكرية وبدون ألمانيا فوق الجميع وفرنسا فوق الجميع إنهم يتحدون على كلمة السواء على المساواة وفق الآية التي بعثها رسول الله إلى العالم المعاصر له حين بعث الكتب إليهم ووضع قوله تعالى:( تعالوا إلى كلمة سواء ) أي ليس أن يكون بعضنا لبعض أربابا أي ليس على أساس مستكبرين ومستضعفين وإنما على أساس قانون واتفاق على شروط الاتحاد ليس الزعماء فقط وإنما الزعماء ليس لهم حق اتخاذ القرارات بدون تفويض وموافقة أغلبية الشعوب فهذا الذي يجعل هذه الوحدة حدثا جديدا في تاريخ البشرية قاطبة.

إن هذا الاتحاد يستفيد من كل التاريخ البشري ويضيف إليه أشياء جديدة وجديدة جدا لم يحدث من قبل أنهم لا يوسعون اتحادهم بفتح وضم عسكري وإنما بموافقة الأطراف جميعا وليس هناك ضغط من أحد على أحد إلا بيان الفوائد والمكاسب التي سيكسبها الذي ينضم إليهم من هذا الانضمام إنه ليس فتحا عسكريا بل إنه فتح طوعي كأن البلاد المجاورة تقول اقبلوني عضوا معكم وسألتزم بكل شروطكم يحدث هذا بدون حرب وبدون فتح عسكري هذا هو الفتح المبين وهذا الاتحاد فيه أحداث جديدة وتطورات كثيرة.

إن هؤلاء الأقوام هم الذين ابتدعوا القوميات التي لا تعترف بإنسانية الأقوام الأخرى ولكن هؤلاء الذين ولدت عندهم العنصريات الفرعونية التي تجعل تعلو في الأرض وتجعل الناس شيعا تذبح أبناءهم وتستحيي نساؤهم هؤلاء الذين تاريخهم كان هكذا الآن يتحدون وقد تجاوزوا القوميات فهم أثر من عشر قوميات ولكل قومية لغتها ومع ذلك يتحدون بحقوق متساوية للنساء والرجال والقوميات وهذا في طريقه إلى الترسخ لأنهم يستفيدون من سنن الله في الأقوام ومن سنن الله في تغيير ما بالأنفس صحيح أنهم لم يوحدوا العالم ولكن يضعون أساسات يمكن أن يتحد على أساسها العالم وهذا الاتحاد على كلمة السواء وعلى أن لا يكون هناك مستكبر ومستضعف شيء جديد وهذا النوع من الاتحاد أقرب إلى الإنسانية وإلى ما جاء به الرسل وإلى ما أنزل الله من كتاب إنهم خرجوا من عبادة الطاغوت ويهيئون أنفسهم لما أمر الله من العدل فيما بينهم لا شك في أن هذا أفضل بما لا يقارن بما عليه وضعنا نحن العرب والمسلمون علينا أن نفكر سريعا وباستنفار وبالحديث الدائم المكرر لنعمل اتحاد عربي إسلامي استضعافي على كلمة السواء وعلى كل المفكرين أن يوقظوا في نفوس الناس الأمل واليقين بأن هذا ممكن وممكن جدا وبقدر الجهد الذي نبذله في توعية الناس والإكثار من هذه المواضيع التي لا يتحدث عنها الناس وهذا ما سندأب عليه وكل يوم نزداد إيمانا ويقينا أن علم الله في الإنسان سيتم للخروج من الفساد في الأرض وسفك الدماء وعند إذ تنفتح أبواب لا نهائية من الآمال المشرقة التي تبعث الحياة في النفوس .