موقف المسلم من الكفر البواح
من Jawdat Said
محتويات
تلون موقف المسلم من الكفر البواح
فهذا الكفر البواح هو الذي أريد أن أقف عنده قليلاً، لأن الآراء فيه تختلف من فرد لآخر، أو لفرد واحد في حالين، بل قد يوجد عنده التناقض في لحظة واحدة. ومثال ذلك اعتراف المسلم بأنه لم يعد مسلماً إلا بالهوية، ثم إذا أردت أن تثبت له هذا تجده قد غير رأيه، وعاد يقول أمة محمد بخير والحمد لله.
والذي أريد أن ألفت إليه ذهن الناشئ المسلم في هذا الموضوع، هو أن ينظر إلى الأمر بعمق وتدبر أكثر قليلاً، فالناشئ المسلم سهل عليه أن يحكم بالكفر فيما بينه وبين نفسه، أو بينه وبين مجموعة خاصة، ولكنه لم يجد القدرة على الجهر بمثل هذا الحكم بالكفر علناً، وعلى ملأ من الناس، على رجال حكومة ما في بلد إسلامي، أو على رجال حكومته بالذات. أنا لا أريد هنا الإثبات أو النفي، ولكن الذي أريد أن أبينه هنا كيف أن موقف المسلم يتلون ويتحول من حال إلى حال.
فإذا كان له من الله برهان، فلماذا لا يعلنه ويصرح به ويلح عليه؟ ولماذا يريد أن يتخفى؟ لم لا يتبنى رأيه بوضوح أمام جميع الناس؟ ولم لا يتبنى أعظم الجهاد ويقول كلمة الحق حتى يقوم بواجب التبليغ؟
ثم ينبغي أن نعلم؛ أن أي حاكم مسلم، في أي بلد إسلامي، في واقع الأمر لا يزال يتمتع بحقوق الفرد المسلم بحكم هويته عند عامة المسلمين. وهذا يمكن ملاحظته في ظاهرتين واضحتين:
الظاهرة الأولى: عدم إعلان الكفر في بلاد الإسلام:
إن أي حاكم مسلم في أي بلد إسلامي، لم يجرؤ على أن يعلن كفره على الناس بوضوح في هذا العالم الذي نعيش فيه، لا لأن جميع الحكام عندهم القناعة الكافية، وإنما لأنه يعلم أن هذا الإعلان مخالف للعرف العام الذي يصعب الخروج عليه، وقد يكون هذا العرق قد فقد ما يعتمد عليه أو ازداد قوة ولكن هذا العرف لا يزال يقوم بمفعوله.
الظاهرة الثانية: عدم إعلان الإسلام في بلاد الكفر:
ولكن أريد أن أقول أيضاً إن هناك عرفاً آخر لم يعد محتفظاً بشيء من الوضوح مهما كان قليلاً.
ففي الوقت الذي لم يستطع حاكم مسلم في هذا العصر أن يعلن كفره بالإسلام، لا يوجد أي حاكم استطاع أن يقابل أمم العالم المعاصر بوجهه الإسلامي الصريح. وهذا أيضاً معتمد على عرف مُسَلَّمٍ به لا يخرج عنه حاكم واحد.
إذن لعلك أيها المسلم تمكنت من أن تنظر إلى الموضوع نظراً أعمق قليلاً ففهمت معنى (كما تكونوا يولَّى عليكم).
فلا تظن أن هؤلاء الحكام غي محكومين بمفاهيم المسلمين ومقرراتهم؛ فهم ملتزمون التزاماً تاماً بها، لا يزيدون عليها ولا ينقصون، فنقول إن هذا مسلم ومتقيد بالإسلام تقيداً تاماً، ولكن لا على حسب ما أنزل الله، بل على حسب ما في أذهان عامة الناس، أي الرأي العام للوجود في الأمة، وهذا الوضع هو الذي عطل معنى الحديث.
فهؤلاء الحكام لم يكفروا كفراً بواحاً على حسب الرأي العام، لأن الكفر البواح الذي أصبح متعارفاً عليه عند الرأي العام هو إنكار الإسلام والتصريح بعدم وجود الله.
ومن هنا يتبين لنا أن الخصم الحقيقي للإسلام هو مفهوم المسلمين عن الإسلام.
ففي الوقت الذي يعود فيه معنى الكفر البواح عند المسلمين، إلى الحدود التي وضعها الله بين الإيمان والكفر، في مثل قوله:
(فَلاَ وَرَبِكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ) [ النساء 4/64 ]
نكون قد أحدثنا عرفاً جديداً لا يستطيع أن يخرج عليه أعتاهم. فهم يخافون أن يعرفوا لأنهم كافرون كفراً بواحاً، أشد من خوفك من وسائل القوة التي في أيديهم، والتي تتمناها أن تصير في يدك، فهل عرفت ما عندك من وسائل، ولا تعرف من قيمة استعمالها شيئاً، فهي في موضع العطالة، كما كل شيء في العالم الإسلامي في موضع العطالة.
ثم أتظن أنك إذا صار لك الحكم تستطيع أن تفيد منه، وأنت أعجز الناس من الإفادة من اعظم قوة عندك؟
إن أي حاكم مسلم، مهما كان وضعه، فهو يحوز من الثقة ما لا يحوزه أي حاكم غير مسلم، مهما كان عنده من الكفاءة الفنية والنزاهة الخلقية.
فهذه الظواهر بديهيات في الأعماق، ووقائع ضخمة. فلابد من التأثير على هذه الجبال من الثلوج، بحرارة كفاح المؤمن، وإعلانه لأفضل الجهاد وأعظمه ألا وهو كلمة العدل.
أما أن ينسج الناشئ المسلم حول نفسه بيتاً من نظراته الخاصة المحدودة، بحيث يخالف سنة الله والواقع الأرضي الذي يعيش فيه. فكل هذا ينبغي أن يراجع فيه نفسه.
ليس عيباً لن يخطئ الإنسان ولكن العيب هو ألا يعرف كيف يكشف غلطه.
فإذا أراد وسأل أين الخطأ؟
فقد قال الله مجيباً على ذلك: (هُو مِنْ عِنْدٍ أنْفُسِكُمْ..) ] آل عمران 3/165 [.
منشأ هذين الموقفين:
ومنشأ هذين الموقفين "هو" من عدم إدراك حقيقة الإسلام، أو إدراكها مشوهة، وأن المبدأ الإسلامي لم يعد مثلاً أعلى، بل صار في الموضوع إدانة ضمنية للمبدأ، بتخلي المسلم عنه وتبنيه لغيره.