مقدمة كتاب العمل

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

العمل قدرة وإرادة


Alamalqudrawaerada.gif
تحميل الكتاب
المقدمة
الفصل الأول، مصطلحات البحث
الإخلاص والصواب
مصطلحات أخرى للإخلاص
الفصل الثاني
العمل
منطلقات العمل
التسخير
انظروا كيف بدا الخلق
كيف يتولد العمل
تعريف العمل
أركان العمل
الفصل الثالث، الإرادة
مفهوم الإرادة
من أي شيء تتكون الإرادة؟
بعض خصائص الإرادة
الإرادة روح الأمة
الإرادة كقيمة وكصناعة
الفصل الرابع
عمق المشكلة
كيف يحصّل الإنسان القدرات
ملكة تحصيل القدرات
الإرادة كانت قدرة
القدرة الأخلاقية الكامنة
أسلوب آخر لتعريف الصواب
الفصل الخامس - تطبيقات
هل عند العالم الإسلامي إرادة؟
عمى الألوان
القدرة والإرادة كشريعة وحقيقة
موقف أهل الدين والسياسة من نقص القدرة والإرادة


ترددت كثيراً في نشر هذا الكتاب، وأخرْتُ طويلاً إتمام كتابته، ولم يكن هذا لشعور بأن الموضوع لا يستحق الاهتمام، بل لشعوري بأن ما كتبته لا يبرز المشكلة بما تستحق من تقدير، إذ أن كثيراً من الموضوعات التي تناولتها كنت أراها غير وافية، وكما قال أحدهم: (لو انتظرت حتى يتم الأمر لما ظهر الكتاب). ومقابل هذا الشعور كنت أُحِسّ بارتياح في بعض الجوانب التي حالفها الوضوح إلى حدّ ما؛ وهذا ما جعلني أتجاوز التردد إلى الإقدام على نشر الكتاب وهكذا سنة الله في خلقه. والذي آمله من القارئ أن يرى الجانبين حتى لا يرى الكتاب من سقط المتاع، ولا يرى أنه غاية ما ينبغي يكتب في هذا الموضوع، وذلك لنخرج مما تعوّدناه وهو أن نرى الأعمال: إما طاهرة مقدسة، أو دنسة حقيرة …

وحيث أن من المعتاد أن يفهم الناس الأمور من خلال ذواتهم، لا كما هي في الواقع؛ يمكن أن يقال: إن هذا البحث يقدّم الوسائل على الغايات، وليس هناك شيء أبعد من هذا، فالأمر ليس موضوع تفاضل، وإنما هو تكامل، أي: وضع الأجزاء في مكانها الصحيح ليقوم الكلُّ بالوظيفة المحددة.

وإذا ظننت أيها القارئ أنني قد أطلت البحث فبعثت الملل في نفسك، فرجائي أن تحاول بحث هذا الموضوع بتفاصيل أفكاره وتطبيقاتها مع الناس، فإذا وجدت حتى المستويات الفكرية الرفيعة - بالنسبة إلى واقعنا - لا تفهم الموضوع كما هو معروض في ها الكتاب، فستشعر حينذاك أنه بحاجة إلى بسطٍ وتوضيح وتصريف القول فيه.

وإذا وجدت أن المشكلة جديرة بالبحث حقاً، وأن جذورها عميقة في الأمة - وربما شعرتَ بأن ما جاء في هذا الكتاب غير كاف، وأن ما سقته من الأدلة غير وافٍ - فستجد في الكتاب زاداً لا بأس به يساعد على بحث المشكلة، وذلك إذا بذلت الجهد في جمع شتات الأدلة من مواضعها المبعثرة في الكتاب.

ومع هذا كله فإنني أتوقع من الذين يريدون أن يفهموا الأمور على وجوهها أن يحملهم هذا الفهم على القيام بأحد عملين: إما عمل في العمق، أو عمل في الاتساع، أو القيام بهما معاً. فعمل العمق: زيادة في الإدراك والتوضيح للمشكلة. وعمل الاتساع: يفتح أعين من تعنيهم المشكلة ليعوا القضية. وكلا العملين يساعد على توجيه طاقات الشباب كلها نحو سلوك طريق الفلاح.

وقد يرون أنني أخطأت، أو قصرت في بعض التطبيقات على القواعد، أو أن القواعد لم تستوفِ الشروط والإحترازات … إن هذا أو ذاك يقوم بتصحيحه وتكميله الذين يهمهم هذا الأمر، فمنْ درَّبَ نفسه على هذه الممارسة يتبين له: كيف يتم كل من التصحيح أو التكميل على يد أولئك، وكيف يفوت المؤلف مثل هذه الأمور.

ولابد لنا أن نتناول في هذه المقدمة الإشارة إلى أنه يقتضي التغيير في أساليب العمل الإسلامي، كي يتوافق مع سنن التسخير، أو يكون أقرب إلى هذه السنن بدل أن يتجنبها أو يعاكسها.

فمثلاً: إن إيجاد طريقة للعمل على أساس الواجبات، غير العمل على أساس الحقوق.. والرسول (ص) علمنا أن نعطي الذي علينا، ونسأل الله الذي لنا وهذه هي الطريقة المضمونة. فقد روى مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة أن النبي (ص) قال: (إنها ستكون بعدي أثَرَةٌ، وأمور تنكرونها، قالوا يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تُؤدونَ الحقَّ الذي عليكم، وتسألون اللهَ الذي لكم).


وإن النتائج تختلف رغم حتميتها تبعاً لما نمارسه من الأسباب من سيرِ في طريق الواجبات، أو من عكس للموضوع وتطلع إلى حقوقنا وإهمال لواجباتنا، أو عدم النظر إلى النتائج دون الأسباب المحققة لها نظرةَ دقيقة. والتطلع إلى إصلاح أهل السياسة دون إصلاح حال المجتمع، عمل من أعمال المطالبة بالحقوق دون أداء الواجبات؛ أو النظر إلى رؤية النتائج دون رؤية الأسباب …

كما أن التطلع إلى الوصول إلى الحكم عن طريق العنف أنموذج آخر لعكس القوانين، وإن المسلمين اليوم قد عكسوا كثيراً من القوانين، وبأشكال مختلفة مع حسن النوايا، وإن تغيير النظر إلى التثقيفية - التغييرية - البسيطة العميقة، والتي لا تقبل النكسات، لا قدرة لنا على رؤيتها …

لا عجب إذن أن لا تُطرح البدائل وطرائق العمل الجديدة المختلفة إلا في القليل النادر جداً. بل إن البدائل وطرق العمل الجديدة لا تدخل في صورة عمق في الفهم، وإنما في صورة ملجأ للعاجزين. وهناك شبه إجماع بين الفرقاء - اليمين واليسار وما بينهما - على طرق التغيير بإتيان البيوت من ظهورها لا من أبوابها، فجميعهم يسلكون سبيل المطالبة بالحقوق لا سبيل أداء الواجبات، ويهتمون بتنظيم الدولة لا بإنشاء المجتمع، ويعتمدون أسلوب العنف والإكراه لا أسلوب الإقناع العلمي والتفهيم.

فبدل الواجبات - والمجتمع - والعلم: (القدرة)، نجد البدائل المؤسفة: الحقوق - والدولة - والقوة: (الإرادة). ويكاد يكون الإجماع على أن هذه البدائل هي القانون الطبيعي، بل القانون المقبول عندهم. وإن كان هناك من ينكر فبشيء من الحياء؛ وأنا واحد منهم.. وليس هناك الكثير من هذا النمط.

وهذا الكتاب محاولة لإلقاء أضواء على الموضوع رجاء أن تجد القضية مزيداً من الأنصار، إلا أن أبرز البدائل لطرائق العمل المعتادة يكون في بعض الأحيان محيراً؛ ولا يجد السند الكافي، لأننا في حقيقة الأمر لم نقطع شوطاً في دعم اتجاهنا من الناحية النظرية والناحية العملية.

وهذا يجعل من الضروري أن يتوفر لهذا الاتجاه أناس من ذوي الكفاءات والنظرات النافذة العملية، الذين لا تخدعه الطرائق التي تبدو في بادئ الأمر أنها قريبة المنال.. وهذا ما يفسر معنى الابتلاء الوارد في القرآن الكريم، ابتلاء ذكاء الإنسان في رؤية الأسباب الصحيحة، لأن النظرة العجلى تفسر الأمور تفسيراً سطحياً؛ كما فسروا قديماً حركة الشمس بأنها هي التي تدور حول الأرض. وربما كانت حركة الشمس آية للإنسان في قابلية وقوعه في التفسير الخاطئ لما يظنه واضحاً جداً، ليراجع مفاهيمه وأعماله لا سيما حين تتأخر العواقب عن أوقاتها التي قدّر الله لها قدرها … والله أسأل أن ينفع بهذا الكتاب والله وراء القصد وهو يهدي السبيل.

جودت سعيد

27 رمضان 1399هـ