مقدمة كتاب اقرأ وربك الأكرم
من Jawdat Said
بسم الله، والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى..
قام موضوع هذا الكتاب في ذهني منذ وقت بعيد، ولم أزل أقلبه وأعارضه وأعرض عليه خلال سنوات. وقد استقر في نفسي بنتيجة الثقافة التي تشيع بيننا أن العلم ينبغي أن يكون موضوع بحث حتى تكون له معالم واضحة، وقد لاحظت أن كثيراً من سلطان هذا العلم يرجع إلى الاعتقاد (الأيديولوجية) والتسليم والرهبة والهيبة أكثر مما يرجع إلى الفهم والتحليل الدقيق، بحيث يمكن أن نزعم أن العلم يؤدي دوراً أسطورياً أكثر منه علمياً، فرغم اسم العلم فإن الدور والوظيفة أسطورية مختلطة تحمل الخرافات وكل التراث البشري المختلط. وصار العلم شهادات وألقاباً، كما أن الدين صار طقوساً وأسماء، فكثير مما نسميه علماً ليس بعلم، ويقوم بدور أسطوري ويحمل الخرافات (ما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس).
لذلك رأيت أن من المفيد التوجه إلى دراسة العلم - مع اعترافي بمحدودية ما أملك - وأنه لا بد من البدء بطرح الموضوع لنتوجه إلى العقول بتحديد معنى العلم وتمحيصه. ولقد كان هذا في ذهني حين بدأت الكتابة، ولكن أثناء المضي في الموضوع تبين لي أن قانون سير العلم مرتبط بالقراءة، فمن يتأمل كيف نشأ العلم وكيف بدأ، يلاحظ أن العلم لم يأخذ دوره الواسع إلا مع اكتشاف الكتابة، لأن التجارب كانت تضيع وتموت بموت أصحابها، ولأن الذاكرة ليست مأمونة للحفظ، ثم اكتسبت التجارب والمعارف الخلد مع ظهور الكتابة، فكأن الإنسان ملك ذاكرة غير قابلة للموت، وهذا شيء مهم في حياة العلم. كما أن ما يكشفه فرد من العلم صار يعمم بيسر إلى سائر الأفراد فلا يحتاجون إلى جهود وبحوث لإعادة الكشف، فقد صار هذا الذي أُكتُشفَ ملكاً للإنسانية. وإن لتقييد الكشف وتعميمه الصدارة في نمو العلم، وهما لا يتمان إلا بالكتابة، وبعبارة أخرى لا يحفظ ما عرف واكتشف ولا ينتقل إلى الآخرين إلا بالكتابة. ولهذا يمكن أن نقول: إن الكشف والحفظ والتعميم متممات للعلم ومولدات له، فإذا كان العلم يتم بالكشف فإنه ينمو بالحفظ والتعميم ويؤدي وظيفته، وكما أن الكشف قد صار متوقفاً على الحفظ والتعميم فإن العلم - وإن بدأ قبل التسجيل والإشاعة - لم يرسخ مجده إلا بالتسجيل والإشاعة، ولم يضرب أطنابه إلا بهما، وسوف يظل مرتبطاً بهما. ومن هنا صار العلم بالقلم والقراءة لا فكاك له، ومن هنا وجدت أن يكون عنوان هذا الكتاب (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم).
إن الهدف هو العلم ولكن متوقف على القراءة، فهي رحم العلم التي بها ينمو ويتطور، وإن العلم المحفوظ المعمم هو الذي يولد العلوم الجديدة، وإن العلم يزداد بمقدار ما يتسنمه من هرم واسع مرتفع من العلم المحفوظ المعمم. ولهذا كان أول ما نزل في آخر رسالة من السماء كلمة (اقرأ) قبل أي كلمة أخرى في العقيدة أو الإيمان أو العبادة. ولهذا أيضاً حدد الله تحصيل العلم بالقلم (علَّم بالقلم). وهذا التصور هو ما جعلني أعدل عن جعل عنوان الكتاب (العلم) إلى العنوان الجديد.
وإن من أجلّ الأعمال التي على أهل العلم أن يقوموا بها أن يسهلوا ما يقرأ ويبسطوه ويوجزوه لتتحقق فائدة القراءة.
وعلى الرغم من أن الكتابة ظهرت منذ خسة آلاف عام، إلا أن فائدتها لم تعم إلا مع اختراع الورق منذ ألف وخمس مئة عام، ثم مع الطباعة منذ أقل من خمس مئة عام حيث حدث انفجار بركاني اجتماعي لا يزال لهيبه يتصاعد حتى اتصل هذا اللهيب بالآلات الحاسبة منذ بضعة عقود، ولا يزال العلم ينتظر التبسيط والتقليم ليأخذ مجده، وليؤدي الإنسان مهمته ويحقق إنسانيته بالقضاء على الفساد وتطهير الأرض من الدماء والدمار. وهذا من أقدس الأعمال التي يجب أن توجه إليها همة البشر.
إن الاستفادة من العلم الذي تحقق، تجعل سير الحياة متوازناً وسوياً لا يعتريه ظلع ومن هذا المنطلق كان القول الموروث: (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم). وإذا كانت الأمية المنتشرة في مجتمعاتنا وصمة عار علينا فإن عدم تكون القمة المفكرة المبدعة الطُّلَعِةَ التي تتحسس علم العالم أخطر من الأمية البسيطة، لأن مشكلتنا مشكلة أمية مركبة، ومن هنا كان اعتبار القرآن أن الأمية ليست فقط أمية القراءة والكتابة \بل أمية الأفكار، ولك في قوله تعالى: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني). سورة البقرة / 78، أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة فقط على أحد وجوه التفسير « قال ابن تيمية عن ابن عباس وقتادة في قوله ومنهم أميون أي غير عارفين بمعاني الكتاب يعلمونها حفظاً وقراءة بلا فهم ولا يدرون ما فيه. وقوله (إلا أماني) أي تلاوة، فَهُمْ لا يعلمون فقه الكتاب إنما يقتصرون على ما يسمونه يتلى عليهم » الجزء السابع عشر من الفتاوي / ص 434.
إن مشكلة القراءة هي مشكلتنا الأساسية، القراءة المطلقة والموجهة أو المجردة مما لا فائدة منه، التي تراجع نفسها دائماً فتحذف ما فات أوانه ولا تحملها آصاراً وأغلالاً. إن إنتاج ما يقرأ هدف أساسي، والقراءة تصنع نفسها وتجدد نفسها، هي بذاتها تصحح أخطاءها وتتقدم بوسائلها، وإن العالم الذي تعلَّم القراءة من خمسة آلاف عام ينتظر أن يقدم إليه ما يستهويه. إنه يستحث الكتاب، فتحت سنّ القلم يبرز المستقبل الإنساني، وكأننا بهذا نعيد - ولكن بأسلوب آخر - الأسطورة الشعبية التي تقول: إن العلم كله في النهاية ينحصر في النقطة التي تحت باء بسم الله الرحمن الرحيم.
وأنشد من هذا الكتاب مطمحين أساسيين أعدهما من أهم الأمور وأنبلها فيما أكتب.
أولهما: وضع الإنسان على طريق العلم، وذلك ينقل ملكة العلم إلى الناس ونشرها بينهم. وهذا - كما أرى - من أقدس الواجبات التي ينبغي أن تُسخر الطاقات لتيسيرها وتسهيلها حتى يتمكن الناس من أن يعيشوا في جو العلم، وينعموا بما ينشره من طمأنينة ورزانة وصحة عقلية.
وثانيهما: السلام، وهو وليد العلم، فعن طريق العلم يدرك الإنسان إمكانية إصلاح الإنسان دون إعطابه وتدميره، لأن قليل العلم الذي أعيته الحيل هو الذي يلجأ إلى الهدم والتدمير، وأحياناً إلى فكرة (عليَّ وعلى أعدائي) بدل أن يتجه إلى العلم الذي سيحول العدو إلى ولي حميم. (إن تهمة الملائكة للإنسان حين أراد الله استخلافه في الأرض، بأنه يفسد فيها ويسفك الدماء هي مشكلة السلام التي ما تزال قائمة سواء على مستوى الأفراد أو العالم أجمع).
وما نراه من احترام سطحي للعلم عند من فقدوا ملكته يتلاشى ويتبخر إذا جد الجد، ونرى التكشير عن الأنياب لتمزيق العلم، حيث يسود الانفعال ويغطي العقل ويبطل مفعوله، فيعود السلوك للاستجابة إلى الدوافع الغريزية، دوافع ما قبل العقل والعلم، يحدث هذا ويتنكر الإنسان للعلم انسياقاً وراء تعميم ذميم (يوسع دائرة العلم ليشمل الظن وما ليس بعلم) فلا يميز الخطأ من الصواب، ولا العلم من الجهل، وفي هذا خطأ جسيم وهدم للطريق المستقيمة، كما أن هذا مناف لمنهج القرآن الذي يزكي العلم ولا يتنكر له، ويصف من يتنكرون له وينبذونه وراءهم ظهرياً بأنهم لا يفقهون ولا يعلمون ولا يعقلون. وإدانة العلم أو سحب الثقة منه إتباعاً للأوهام والظنون خطأ جسيم، حاشى للعلم أن يكون في موضع هجوم وإنكار، وإنما الذي يجب أن يكون في موضع الهجوم والإنكار هو الجهل والهوى والظن. وكان الأجدر أن نبين العلم ونقدسه ونعلي من شأنه وأن نبين أن ما نهاجمه ليس علماً ولا هو بسبيل العلم وإنما هو الخطأ والجهل.
إن التسرع في إدانة العلم يحمل إلى صاحبه خسارة كبرى لأنه لن ينقذه غير العلم، ولأن ما يدنيه إما أن يكون علماً فيُقبل أو جهلاً فيرفض ونعرض عنه، وعلينا ألا نخلط بينهما فنظن الجهل علماً والخطأ صواباً فننكر العلم ونصوب الخطأ، فنجني على العلم والصواب، ونحن نتوهم أننا نخدم آراءنا ونحمي عقائدنا ونبني دعائم المستقبل لنا ولأجيالنا ولبني آدم عامة، بينما نحن في الواقع نهدم أنفسنا ونبلبل أفهام الأجيال ونضع العقبات أمامهم.
وما يشيع في كتابات بعض المسلمين، أو يقدَّم من ثقافة عامة للجيل توحي بأن العلم عاجز عن حل مشكلاتنا، وتسحب الثقة من العلم وتشعه في موضع الإدانة، مناقض لمنهج القرآن الذي يقرر: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) سبأ / 6، ويقول: (ولا تقف ما ليس لك به علم) الإسراء / 36.
ولا أدعي أني سأقدم تعريفاً سهلاً للعلم يوصله إلى التمييز بينه وبين الظن وبين العقل والهوى. وليكن جُلَّ مطمحي أن أتمكن من تسليط بعض الأضواء على العلم تجعل المتأمل يخرج بادراك أوسع أو إدراك جديد.
وإني أرى أن مفهوم العلم سواء عند المسلمين أو عند من نقرأ لهم من غير المسلمين وخاصة في الغرب، ليس هو الذي أطمئن إليه.
فتصور المسلمين للعلم وخاصة المعاصرين منهم ليس كالتصور الذي أفهمه من القرآن، وهو أن العلم هو الذي يكشف الحق؟ فهؤلاء يرون أن العلم لا يهدي إلى الحق، ولا يخدعنك حديثهم الطلي في مدح العلم وسوق الآيات والأحاديث المأثورة من الحكم التي ترفع شأن العلم، لأن هذا الموقف يتغير في أماكن أخرى من بحوثهم حيث ينظرون إلى العلم بريبة.
وأما في العالم الغربي فيقصرون العلم على ظواهر الطبيعة أو بعضها، وحين يتصل العلم بالقيم والدين أو الإنسانيات يرون أن هذه المواضيع غير علمية، فكأن العلم محصور في مواضع معينة ولا يشمل كل أمور الحياة. وهذه النظرات القاصرة تحط من قيمة العلم وتحد من شموله وفاعليته. وبحسب ثقافتي القرآنية أرى أن كلتا النظرتين قاصرة، فالمسلمون ينبغي أن يصلوا إلى درجة الثقة الكاملة بالعلم، وبأنه في خدمة الحقيقة دائماً، كما يجب على الغربيين أن يدركوا أن دور العلم في مجال الدين والقيم والإنسانيات والأخلاق كدوره في مجال الطبيعة.
فحين كان العالم يجهل عوامل الأوبئة التي تجتاح العالم، لم يكن من الحق أن يقال: إن الوباء لا يخضع للعلم، بل كان على الذي له صلة صحيحة بالعلم أن يقول إن الوباء وعوامله خاضعة للعلم، وإن لم نعلم ذلك ونسيطر عليه، وعلينا أن نجتهد لتحقيق ذلك وكذلك الشأن مع الأخلاق والقيم والدين، فليس من الموقف العلمي أن نقول إنها لا تخضع للعلم، بل نقول: إن العلم - وإن لم نتمكن من كشف قوانينه في الأخلاق والدين والقيم - هو الذي سيوضح الغموض ويزيله، وسيمحص الحق في مجال الأخلاق والقيم والدين. وهذا الدور الذي نراه للعلم هو ما رآه المسلمون الأوائل في عصر ازدهارهم حين آمنوا بوحدة العلم والدين، وذلك ما يظهر في قول الجاحظ: (قال الأوائل: حياة الحلم بالعلم، وحياة العلم بالبيان). وإن كلمة الجاحظ أثارت في نفسي ملاحظة لها أهمية (فحياة الحلم بالعلم) تعبير عن مفهوم حضارة وذوق خاص لفهم العلم.
إن كلمة (حياة الحلم بالعلم) يمكن أن نفهمها بأسلوب آخر أي أن حياة الأخلاق بالعلم، وحياة القيم بالعلم، وحياة الحكمة والدين بالعلم. فبالعلم تستقيم الأخلاق وتحيا القيم ويرسخ الدين الحق … وعندما تصبح الأخلاق والدين والقيم علماً ترسخ في النفوس وتحيا في واقع الحياة.
وكلام الجاحظ هذا مناقض للحضارة الغربية، وللفكر الإسلامي الذي ظهر بعد اتصال المسلمين بالغرب.
وللدلالة على فهم الغرب للعلم نذكر قول (راسل) في كتابه (النظرة العلمية) في نهاية مقدمته:
(فالقوة الجديدة للعلم تكون خيّرة بقدر الحكمة التي يتميز بها الإنسان، فلا بد إذاً من زيادة الحكمة التي هي الإدراك السليم لغاية الحياة، وهذا لا يقدمه العلم، فالزيادة منه لا تكفي).
هذا الكلام موجز ولكنه واضح وهو خطير ومشوش في آن واحد، لأنه يقصر العلم على ما يتعلق بالطبيعة (آيات الافاق) ولا يعتبر ما يتعلق بالأنفس والأخلاق علماً. وهذا موقف مبتور. بينما كلمة الجاحظ كانت دقيقة إذ ربطت القيم والحكمة وغايات الحياة بالعلم. إن كلمة راسل واضحة في فصل العلم عن الحكمة، بينما كلمة الجاحظ واضحة أيضاً في جعل حياة الحكمة بالعلم.
إن فكر المسلمين بعد اتصالهم بالغرب قد انحرف عن مفهوم القرآن الذي يعتبر العلم الحقيقي علن الأنفس، ومعرفة العواقب والحكمة من التاريخ، وعن مفهوم الجاحظ الذي ربط الحلم بالعلم، والعلم بالبيان، واتجه هذا الفكر وجهة راسل.
في كتاب العربي الذي تصدره مجلة العربي الكويتية وهو: (مراجعات حول العروبة والإسلام وأوروبا) صفحة (154)، يقول الدكتور محمود السمرة عن كتاب (تجديد الفكر العربي) للدكتور زكي نجيب محمود ما يلي: (عند قراءة الكتاب ينتابنا إحساس بأن المؤلف يؤمن بالعلم ولا شيء غيره، ولكن سرعان ما يهدئ من خواطرنا حين يتحدث عن القيم التي تجعل من الإنسان إنساناً) (أكتوبر 1984).
هذا الكلام نسخة مكررة من فكر راسل، فكأن الإيمان بالعلم يهدد خواطرنا، فلا تهدأ حتى يكون الحديث عن شيء غير العلم ليعطينا الطريق الصحيحة. والمتكلم هنا، والمتكلم عنه من المفكرين العصريين وليسا من المشايخ التقليديين، وهذا النوع من الفكر هو النوع الراقي الذي يقدم للثقافة العربية والإسلامية. وإن القارئ المرتبط بعالم الأشخاص يخرج من هذا الفكر، وقد سحب ثقته من العلم، ورسخ في ذهنه أن العلم ليس هو الذي يحل مشكلاتنا ومشكلات العالم جميعاً.
والحقيقة أن العلم إن ضاع مفهومه، واحتيج إلى شيء آخر غيره، يفقد مزيته الحقيقية.
إن الجراثيم التي كانت تندس في أغذية الناس، كانت تفسد عليهم صحتهم الجسمية، ولكن الجراثيم الفكرية أشد منها فتكاً فهي ما تزال تندس في الغذاء الفكري الذي يقدم للامة مسببة الآلام في علاقات الناس، فما نزال حتى اليوم ندفع ضرائب جهلنا بأنواع الجراثيم الفكرية التي تنقلها وسائل إعلامنا وكتب مفكرينا وصحافة وجهائنا، وإن وسائل النظافة الفكرية مجهولة في البلدان المتخلفة كما كانت وسائل النظافة والتعقيم ضد الجراثيم مجهولة قبل معرفة الجراثيم.
إن أفكارنا عن العالم الإنساني وتاريخه وكيف بدأ العلم والفكر والإنسان والسلطان والتسخير آيات الافاق والأنفس، ملوثة بالخرافات التي تحمل جواز المرور وحق الاحتفاظ بالصدارة والتي لا يهدأ لنا بال إلا إذا أعطيت لها المكانة المرموقة لتظل تفسد أجواءنا.
ولقد لاحظ جارودي انفصال الحكمة عن العلم حين نقل في كتابه (ما يعد به الإسلام) ص 144 عن حسين نصر محدداً العلاقة بين العلوم العصرية والعلوم الإسلامية وانقلاب العلاقات بين العلوم (الوسائل) والحكمة (الغايات) فقال:
« … لو قدر لعلماء المسلمين في القرون الوسطى أن يبعثوا إلى الحياة، فإن دهشتهم لن تكون من التقدم في الأفكار التي ولدت أصلاً في أحضانهم، بل إن دهشتهم ستكون من أن نظام القيم قد قلب رأساً على عقب، وسيرون أن مركز الرؤية التي انطلقوا منها صار هامشياً، وإن المحيط قد صار هو المركز، وإن العلوم التي كانت في الدرجة الثانية قد تصدرت الاهتمام في الغرب، وأما علم الحكمة الخالد فسوف يرون أنه قد تضاءل حتى كاد ينعدم ». والخلاصة أنني حن أعمم الإدانة السابقة على العالمين الإسلامي والغربي، فلا يعني ذلك أنه لا توجد في كلا العالمين أصوات لا تصل إلى درجة الوضوح في شارع الثقافة العامة، ولكن أعني أن السيطرة للاتجاهين اللذين ذكرتهما …
جودتسعيد