مقدمة حتى يغيروا ما بأنفسهم
من Jawdat Said
سئلت عدة مرات بعد ظهور هذا الكتاب سؤالاً محتواه:
إنك لم تبين سنن التغيير، ولا كيف يتحقق التغيير؟
إن هذا السؤال يحتوي ضمناً على التسليم بأن هناك سنناً لتغيير ما بالنفس. وهذا التسليم يعتبر خطوة هامة – مع اعترافنا بتفاوت درجاته – سواء ساهمت قراءتهم لهذا الكتاب بهذا التسليم، أم لم تساهم. وربما كان أهم ما يتوجه إليه هذا الكتاب، الوصول إلى هذا الاعتراف ؛ لأن جهد الإنسان لتحصيل شيء ما، لا يحصل إلا إذا سلَّ أولاً بإمكانه.
ويشتمل موضوع التغيير على جوانب:
1- هل التغيير ممكن؟ وإن كان ممكناً فهل له سنن؟
2- كيف أغيرِّ؟ أو كيف يحدث التغيير؟
3- ماذا أغيرِّ؟
هذا وقد كان هدف هذا الكتاب يتوجه إلى الموضوع الأول مباشرة، وإلى الموضوع الثاني تبعاً، وإلى الثالث ضمناً. وليس بين الموضوعين الأول والثاني فاصل دقيق، لأن التسليم بإمكان التغيير لا يأتي إلا إذا لاحظ أمثلة في كيف يتم التغيير..
فإذا أمكن للإنسان أن يلاحظ التغيير الذي يحدث في الواقع ولم يعرف سنن هذا التغيير ولا كيف يحدث … إن هذا يمكن أن يؤدي به إلى الجبرية والحتمية التي تستبعد سلطان الإنسان على هذا التغيير..
إن مثل هذا التسليم بإمكان التغيير، وأن له سنناً، لا يؤدي إلى فاعلية الإنسان، إلا إذا شاهد الدور الذي يمكن أن يقوم به الإنسان.
وللإجابة عن السؤال الأول: يكفي أن نلقي نظرة إلى واقع البشر لمشاهدة التغيير. ولعلنا نسمع يومياً حديث الناس بشعورهم بالتغيير سواء في إمكانات الناس الاقتصادية والصناعية أو في التغيير الأخلاقي الذي يلاحظ بين الأجيال، إذ أن هذا التغيير مشاهد …
أما كشف أن هذا التغيير خاضع للسنن، وأن الإنسان له سلطان على ذلك، فهذا يحتاج إلى جهد أكبر. وميزة ابن خلدون أنه لاحظ أن لهذا التغيير سنناً، فقد تحدَّث عن الأجيال الأربعة في نشأة الدول وانهيارها، ولكن ابن خلدون لم يلاحظ إمكان السيطرة على هذه السنن. وأما الكشف العلمي بأن هذه السنن تخضع لسلطان الإنسان بشكل من الأشكال، فقد تنبه إليه في العصر الحديث إنسان محور واشنطن – موسكو، قبل غيره.
لقد كان جهدي كله في هذا الكتاب ينصبّ على بيان أن وظيفة تغيير ما بالنفس هي وظيفة الإنسان. وتفسير الآية التي هي عنوان الكتاب، كان يدور حول هذا الأساس.
والجواب عن السؤال الثاني هو: لم يكن الموضوع المباشر للكتاب أن نتحدث عن كيفية التغيير.. إلا أن الأمثلة التي ذكرت في فصل (العلاقة بين سلوك الإنسان وما بنفسه). وهذا الموضوع هو لبُّ المشكلة، وهو تحصيل العلم وفتح الأسماع والأبصار لتحصيل أفكار موضوعية عن أسباب الأحداث والتغييرات، وهو موضوع رؤية آيات الله في الآفاق والأنفس.. أي إحداث مواقف جديدة برؤية جوانب أعمق وأوسع للأحداث.
إن كل فكرة وخبرة تُقدَّم للإنسان، تؤثر في موقفه. وهذا هو التغيير، فكل صورة تُعرض على الأبصار، وكل خبر يُعرض على الأسماع. يهدف ولو ضمناً إلى تغيير موقف، أو يُحدث بالفعل تغيير موقف … سواء كان هذا الموقف إيجابياً أم سلبياً ؛ وإنما يتجلى الحذق في إعطاء مواقف أسلم وأيسر.
وأما جواب السؤال الثالث، فهو يشبه الإجابة عن سؤالك: « ماذا أصنع من الحديد بعد أن أعرف صناعة الحديد؟ ». وبالنسبة للمسلم ؛ فإن كل أحلامه أن يغير وضعه ووضع العالم الإسلامي. فهو عموماً يعرف – أو يدَّعي أنه يعرف – جواب السؤال الثالث، فهو يعرف ماذا يريد، ولكنه يجهل كيف يحقق ما يريد … لذا عليه أن يتعلم ذلك ؛ وهذه الحاجة هي مصدر السؤال الذي ينبئ عن شعور القارئ بالحاجة إلى المزيد من الوضوح والبيان.