مشكلة العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان
من Jawdat Said
كيف ستحصل على الخير الذي تحبه من الإنسان؟
نقطة البدء تكون من علاقة الإنسان بالإنسان، لأن علاقة الإنسان بالوجود، بالكون، مختلفة عن علاقته بالإنسان، والأضرار التي تلحقها الطبيعة بنا نتلقاها بأسلوب مُختلف عن أسلوب تلقي الأضرار التي يلحقها بعض البشر ببعض. إحساساتنا تختلف حين نسمع عن كوارث ناتجة عن أعمال البشر، وحين نسمع عن كوارث ناتجة عن الطبيعة، حين يصيبني أذى الطبيعة لا أغضب، قد احزن إذا مات شخص أحبه، ولكن كيف يكون شعوري إذا قتله إنسان آخر؟ طبعاً يكون شعوري مختلفاً، مم يحدث هذا الاختلاف؟ ما علاقته بحب الخير والسعي للحصول على الخير بأقل الطرق كلفة؟ ما علاقته بتقليل الجهد وزيادة المردود؟
هل يكون تحصيل أفضل مردود من الإنسان عن طريق قهره وإكراهه واستلابه، أم باحترامه وتقديره والعدل معه؟
الخطأ يحدث عند هذه النقطة. عند هذا الاختيار تختلط المفاتيح، فيحاول بعضنا الحصول على المردود الأكبر بالقهر والإكراه والتعالي، ويظن أن اختيار هذا الأسلوب أسهل وأقل كلفة وأكثر مردوداً.
عند اشتباه والتباس وعدم وضوح هذا الأسلوب يختلط الرشد بالغي، ويجعلك الوقوع في هذا الخطأ متكبراً، وعندها تعتمد للحصول على المردود الكبر على القوة والغلبة والقهر الذي يمتلكه (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فصلت: 41/15.
إن اعتماد هذا الإنسان على القوة والقهر يكون بسبب إيمانه بأن الحصول على أفضل مردود إنما يكون بالإكراه والقهر، وهذا هو الضلال البعيد والمبين والعميق، وهو الخداعُ الأعظم والسحر الأكبر.
هذا هو مصدر عقيدة الاستكبار، بقوته يريد أن يفرض علوه واستكباره، وحين تسيطر على الإنسان هذه الفكرة وهذا التوجه يغلق أمامه أبواب الفهم والإدراك.
مرّة أخرى نقترب من فهم قوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) الأعراف: 7/146.
هل يمكن أن نلمح، على هذا الضوء الخافت جداً، مرّة أخرى قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا) البقرة: 2/256.
لقد ظننت، وكنت مخادعاً لنفسي، بعد (لَتٍّ وعَجْنٍ) ولف ودوران غير مجدٍ كثيراً، ظننت أنني أرسلت شيئاً من نور خفيف لإظهار أن القهر والقوة والعنف والعلو والاستكبار والإكراه.. أن من يمارس هذه الأمور، ويسعى إلى سلوك طريقها، لا يكون قد تبين الرشد من الغي، وأنه ما دام معلق القلب بالإكراه فلن يتبين الرشد من الغي.
إنني أطمع أن أتمكن جعل الرشد يتبين من الغي والبغي، وأن أبين أن الإكراه هو المرض الأكبر، وتوضيح أن الظنّ بأن الله يأمر بالإكراه والظَنَّ بأن الإكراه يأتي بمردود أفضل؛ هو ظن سوء بالله والإنسان.
كم هذا الأمر ملتبس؟ كم هو مشتبه وخادع ومضل؟ كم هو عدو بادٍ في صورة صديق؟ كم هو تعب في صورة راحة؟ كم هو شقاء في صورة سعادة؟ كم هو خسارة في صورة ربح؟ كم هو تبذير في صورة توفير؟