مذهب ابن آدم والتخلص من الالتباس
من Jawdat Said
إذا دخلت إلى هذا العالم لحظة، فستشعر بالأمن والهدى والسعادة العظمى، التاريخ يتجه إلى هذا، الكون سيصل إلى هذا!!..
لا تضيع الرشد لحظةً، لا تضيع اللحظة التي يمكنك أن تجعل نفسك فيها النفس التي حرم الله، استمسك بلحظة الوضوح، انطلق من النور، لا من الظلام، ولا من الغبش، من النور الذي ليس فيه ليل: ليلها كنهارها، احذر أن تقتل تحت راية عمية، اعرف الراية العمياء، اعرف الفتن التي كظلام الليل، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) التحريم: 66/6، أنقذوا أنفسكم!..
إنها لحظة ابن آدم، لحظة بلال وسُمَيَّة، لحظة أبي ذر، من لم يذق هذه اللحظة، ومن لم يلتزم بها، لا يمكن أن يكون جندياً لله.
تذكر ما قلته لك من أنك قد تقع في الاشتباه، فيشتبه عليك الرشد بالغي، إذا رأيت رجلين يتقاتلان، وتذكر ما قيل من أن الحق لو جاء غير ملتبس بشيء من الباطل لما حدثت شبهة، ولو أن الباطل جاء غير ملتبس بشيء من الحق لما حدثت الشبهة، ولما حصل الالتباس والحيرة، ولكن حين يأتي الباطل ملتبساً بالحق، والحق ملتبساً بالباطل، هنا تحدث الحيرة والظلام والالتباس، وتتعقد المشكلة حتى يصير الحليم حيراناً.
تذكر قول الرسول (ص): « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار » قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: « إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ».
تشابهت قلوبهما، تلوثت أيديهما.
المسلمون يتناسون هذا الحديث، بل لا قدرة لهم على تحليل الموقف، ويريدون الخروج من الالتباس، ولكن بالتباس آخر، يقولون: الله أمر بقتال الباغي: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى؛ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات: 49/9.
أرجو أن تتابع، أيها القارئ الكريم، الموضوع والإشكالية بيقظة وانتباه، خشية التلوث، خشية الدخول في الظلام.
نعم هذه آية تأمر بقتال الباغي، وليس الراشد، هنا أريدك أن تستخدم ذكاءك وذاكرتك..
قلت لك سابقاً، إذا كنت تذكر، وإلا فتذكر، تذكر أنني قلت لك: إن المسلمين قد فقدوا الرشد منذ زمن بعيد، وكونهم فقدوه من زمن بعيد جداً، لا يجعل الغي والبغي رشداً وهداية، فلا يلتبس عليك الأمر، حتى لا تتلوث، وحتى لا يستخدمك أهل الأهواء في أهوائهم.
قد يقولون لك: إنهم راشدون، ولكن تذكر أن الذي يأتي بالعنف والإكراه ليس راشداً، لا تخذع، إن الرشد لا يضيع بالغي، فإذا كان غي يقاتل غياً، وإذا التقى سيفان ملوثان وقلبان سليمين؛ فلا يحملنك الحب الأعمى، أو الكراهية العمياء، على أن تجعل من غيك رشداً، ومن بغيك حقاً.
إن طريق صنع الرشد هو الطريق الذي سلكه بلال، والذي أمر بسلوكه الرسول (ص)، أما إذا التقى الباغيان ولم يرد أحد منهما أن يسلك طريق الرشد، وأرادوا منك أن تكون وقوداً وبندقية فاقدة الفهم، لا تميز الرشد من الغي، فلا تتحول إلى بندقية، فأنت لست بندقية.
لا يشتبه عليك الغي بالرشد، وإلا صرت تحت راية عمياء لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً.
أنقذ نفسك من البغاة، فمنذ أن فقد المسلمون الرشد لم يأتهم إلا البغاة. باغ يقاتل باغياً وليس في قلب أحد منهم رشد، ويتخذونك وقوداً ومطية لبغيهم وتسلطهم.
تذكر وصية الرسول (ص): « لا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض » (1)، من تمكن من الآخر ضرب عنقه.