لوم الضحية

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
مقالات ذات صلة
......................
انقر هنا لتحميل المقالات (Doc)

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

أنا لما أكتب عن القابلية للاستعمار وأتكئ على مالك بن نبي في هذا الموضوع - لا أني وحسب منهجي لفهم آيات الكتاب- أرجع الى آيات الآفاق والأنفس وبالعكس لما أفهم آيات الآفاق والأنفس أرجع الى آيات الكتاب، وعلى هذا الأساس لما كنت أقرأ تفاصيل فكرة القابلية للاستعمار عند مالك بن نبي كنت أرجع لأرى مصداق ذلك في آيات الكتاب. العادة عند الناس من قديم الزمان الى يومنا هذا لوم الظالم ولكن قلب الموضوع في هذا وصب اللوم على المظلوم وليس على الظالم هذا فكر جديد مثل فكرة الانقلاب الفلكي حيث كان الناس يظنون أن الشمس هي التي تدور حولنا فإذا الموضوع الفلكي قلب كامل للفكرة التي كان التعارف عليها فنحن الذي ندور حول الشمس وأمامها، والقرآن يضرب المثل في تعقيد فهم الحركة والتغيير والنمو بامتداد الظل وحركة الشمس مبعث الظل يقول: ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فكرة الانقلاب في المفاهيم والأفكار حتى في مستوى الفلك فقد انتقل الانقلاب الفلكي الى الانقلاب النفسي، إن القرآن هو الكتاب الذي كان منفرداً في لوم نفس المظلوم نفس الضحية، وحتى كلمة "ظالمي أنفسهم" مصطلح قرآني بارز لا خفاء فيه وإن كان أمر الشمس كذلك في الوضوح جداً والخفاء جداً للظاهرة الواحدة فلوم النفس هو كشف الخطأ وهو طريق التوبة وطريق النقد الذاتي والعودة الى الصواب، وإبراهيم عليه السلام هو إمام نظرية قلب المفاهيم حين قال لقومه: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الآمن وهو مهتدون) فكما يستخدم القرآن (ظالمي أنفسهم) هذا المصطلح العجيب الخفي هو البارز أو الأبرز في القرآن حيث يقول القرآن (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) ويقول (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض) ونسب الظلم الى النفس في القرآن شائع بشكل عجيب ربما يزيد على خمسين مرة، ولما طرح مالك فكرة القابلية للاستعمار وجدت أن هذه الفكرة فكرة قرآنية في الصحيح، فكرة ظلم النفس وإدانة النفس المظلومة وإدانة الضحية وهذه الفكرة راجعة الى فكرة أعمق وأبعد غوراً وهو راجع الى ما نفخ الله في الانسان من روح (روح المعرفة) والفهم للسنن والقدرة التسخيرية للوجود كله لهذا الانسان.

فلا يظلم الانسان إلا وهو يظلم نفسه وبدون ذلك لا يمكن ان ينزل عليه الظلم وإدانة الضحية منهج قرآني ففي غزوة أحد لما أصيب المسلمون احتجوا على الله كيف أصيبوا فقال الله عنهم: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم).

  1. فلهذا نجد هناك إدانة النفس من الله في كتابه وكتبه وهذا منهج علم نفسي مختلف.
  2. وكذلك نجد آدم أبو البشر يقر ويعترف بهذا المبدأ و يلتزمه في سلوكه وإقراره.

إذا كان مالك بن نبي يقول: حين نصير نتكلم عن الاستعمار قليلاً ونتكلم عن القابلية للاستعمار أكثر نكون بدأنا نسلك الطريق الصحيح لحل المشكلات لأن التفسير الخاطئ لحل المشكلة لا يقرب من الحل بل يبعد عن الحل هكذا يقول مالك ولكن نجد آدم عليه السلام كما نهاه الله هو وزوجه عن شجرة الجنة ولما أكل من الشجرة وبدت لهما سوأتهما وقال الله لهما (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة) قالا: آدم وحواء أيضاً (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوناً من القوم الخاسرين) مع أن الله يقول عن أن الشيطان أغراهما وقال لهما: (ما نهاكما ربكما عن تلكما الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) وقال لهما (هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلا) (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) وهذه الإغراءات والممارسات التي قام بها الشيطان لإغراء آدم وزوجه فحين المواجهة لم يشيرا مطلقاً إلى إغراء الشيطان وإغواءه ودوره في الوقوع في الخطأ، فمالك في بحثه السنني وكشفه لقانون مُعامِل الاستعمار قال: حين نقلل من ذكر الاستعمار ونكثر في البحث في القابلية للاستعمار نكون بدأنا نسلك الطريق الصحيح. ولكن آدم هنا لم يذكر قط شيئاً عن الشيطان وإنما قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا.

هذا الاعتراف المبين بارتكاب الخطأ وعدم ذكر الشيطان هذا الموقف هو ما يتميز به الإنسان القادر على كشف الأسباب الحقيقية والصحيحة للأخطاء وعدم الوقوع في الوهم والاشتباه بأسباب وهمية ومن هذا الموقف أستحق آدم وزوجه إن يستخلفا في الأرض وأن يتقبل الله منهما التوبة لأن الوقوع في الخطأ نتيجة جهل السبب وهذا لا يظهر إلا بالوقوع في الخطأ لهذا الخطأ الأول مغفور ومثاب عليه إذا أخطأ له أجر وإذا أصاب له أجران ولهذا لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين لأن الخطأ يدعوا للبحث عن الأسباب التي أدت غلى الخطأ حتى لا يقع مرة أخرى وكل أبن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابين هم الذين يبحثون عن الخطأ ولا يقعون فيها مرة أخرى فهذه مكافئة الخطأ حين يكون الموقف سليماً من الأخطاء أما رد سبب الأخطاء إلى سبب وهمي فهذا هو الضلال البعيد الذي يحرم الإنسان من اكتشاف الصواب وإعادة الخطأ مرات كثيرة والله تعالى لا يغير قوانينه وسننه من أجل الجاهلين (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا) وكذلك يقول الله (وإن عدتم عدنا) إن عدتم إلى الخطأ عدنا إلا إعطاء نتيجة الخطأ إن الخطأ لا يحل المشكلة وعلى هذا الأساس حين نرجع إلى مشكلاتنا المزمنة التي نكرر ارتكابها ونعرض عن سننها الصحيحة فحين نصير مثل آدم لا نذكر الشيطان الذي أغوانا وحين نصير الآن لا نذكر الاستعمار أبداً ونحذفه من قاموسنا اللغوي والفكري والسياسي ونصير نذكر القابلية للاستعمار والغفلة عن السنن الصحيحة والقوانين التي تحل المشكلات على أساسها نكون بدأنا طريق الشفاء وطريق التغير حين نكف عن ذكر إسرائيل وأمريكا والذين يتعاونون معهما ونصير نذكر عوامل الفرقة بين الأشقاء العرب الذي لم يعد لكلمة الشقيق ولا لقانون ظلم النفس من معنى لا نلوم الاستعمار ولا نلوم الشيطان كذلك لا نلوم الأشقاء العرب الذين نحملهم سبب كل المصائب التي أصابتنا متى نصير لا نصدق الاتهامات للآخرين ونرجع لنسلك طريق أبينا آدم و أمنا حواء متى نصير نشمئز من لعن الأعداء والشيطان ونصير نلوم أنفسنا ونصير نبحث عن الأخطاء التي نرتكبها وحذفها من قواميسنا متى نفهم سنن الله وسنن الوجود السنة الثانية التي لا تتغير وإنما نحن الذين ينبغي أن نغير ما بأنفسنا.