قوم يونس وتفادي العذاب
من Jawdat Said
ما هي قصة قوم يونس؟
في هذه القصة تظهر إمكانية تفادي العذاب الأليم، عذاب الخزي الدنيوي، أي أنهم استطاعوا بإيمانهم أن يتفادوا كلمة ربك التي حقت عليهم.
إن مُهّمتنا الآن، في العالم الإسلامي، هي أن نقلل من العذاب وأنواع الخزي والعار والخسران، وكل من يساهم في تقليل العذاب يكون سائراً في اتجاه التاريخ، الذي يسعى بشكل حثيث إلى تقليل كم ونوع التجارب الخاطئة، ومن يستطيع أن يتجاوز التجارب الخاطئة بتجربة خاطئة واحدة، فإنه يكون قد تقدم تقدماً كبيراً، ومن اعتبر بتجربة غيره ولم يكررها، فإنه يكون قد حقق تقدماً أكبر، ولهذا علينا أن نكون يقظين في تقدير ما حدث سابقاً في التاريخ، وألا نعيد الأخطاء القديمة، وكذلك علينا أن نكون يقظين في تقدير ما يحدث الآن من تجارب جديدة وفي مستويات جديدة.
حين أعطى التاريخ أهمية كبيرة، فإنني أسعى إلى أن أكشف قانونه العام، الذي يشر إلى أن العالم ليس قارّاً ساكناً أو متراجعاً، لأن فهم الكون على أنه ساكن أو متراجع فهم جاهلي، وهو نوع من التصور الجاهلي للخالق المبدع الذي (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) فاطر: 35/1 و(يَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) النحل: 16/8، والدليل الذي يفيد في فهم سنن الله هو خلق الله، فانظروا إليه هل ترون فيه من فطور؟!.
إن الله أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والكون يسير في هداية، ولا ينظر إلى جهلنا، هذا التصور أمر جوهري، وإلا فإن الإنسان يكون قد رفض أمانة الفهم والاستقامة، ومهمة الخلافة في الإبداع والإسراع، فالوعي الإنساني يُعَجِّلَ التاريخ، والإنسان عجول: (وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولاً) الإسراء: 17/11، و(خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) الأنبياء: 21/37، ومن دوافعه وبواعثه التسريع والاستعجال وقطع المراحل، وحين يعرف قوانين الله في الوجود؛ فإن بإمكانه أن يسخرها ويعجل في تحقيق الأنفع، وفي الإبداع لتحقيق علم الله القديم.
وإذا كنا لا نرى إلا الهالكين، فهذا لا يعني أنه لا يمكن أن يحدث شيء لم يحدث من قبل، إن هذا ممكن، وقوم يونس نموذج على ذلك، وإذا كان قوم يونس نموذجاً فريداً في الإمكان؛ فينبغي تحويل هذا النموذج إلى قانون عام، وعدم إبقائه في إطار النموذج الشاذ، ينبغي تحويل الإبداع إلى حالة عامة.
هذا ما ينبغي أن نوجده إن لم يكون موجوداً، وإن وجد فينبغي أن نعممه ونسرعه، وإذا كان العالم متشائماً فيما يتعلق بمستقبل الإنسان؛ فإننا متفائلون ومتفائلون جداً، والتاريخ هو الذي يعلمنا التفاؤل.
إن عالم اليوم في حيرة، في عدمية ويأس، في تشاؤم وتبلد، وهذا يطفئ جذوة الحياة في النفس، ويثبط الهمم، وعلينا أن نبتكر كيفية في قراءة التاريخ، وتسلسل الإبداع وتقاربها، وتقصير المُدَد بين إبداع وآخر، وإذا كان الذين سبقونا متشائمين يائسين، فعلينا أن نتفنن في الخروج من اليأس.