قضايا إسلامية معاصرة: السؤال السابع
من Jawdat Said
|
|
العولمة قناع جديد تختفي خلفه الحضارة الغربية، كيف يتسنى تحصين الهوية الحضارية وتأكيد الخصوصية وتجذير الهوية في مواجهة الدعوة للعولمة؟
الجواب: ينبغي أن نكرر أن أجوبتنا ليست نهائية ولا محيطة. ولكن علينا أن لا نتوجس خيفة من المصطلحات ولا من التلاعبات التي تحيط بالحقائق أو محاولة الاستفادة من الأفكار الكبيرة واستغلالها من بعض الأطراف لصالحها الخاص، فإن الأفكار الكبيرة لا تخدم في مسيرتها الظافرة إلا الإنسان في نهاية المطاف. وربما كان هذا المقصود من القول الشائع: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون العلم لغير الله. وكلمة العولمة من العالمية، والله تعالى رب العالمين وليس رب شعب من الشعوب. والعالمية قادمة لا محالة، لأن أمة النبوة واحدة في الأصل الحيوي والمادي. فكلنا من آدم وآدم من تراب وليس لأحد فضل إلا بمقدار ما ينفع الناس، جميع الناس وليس بعض الناس. والله كما هو رب العالمين فهو "رب الناس" أيضاً، وما ينفع الناس سيمكث في الأرض.
كان البشر موزعين في الأرض ولم تكن بينهم صلاة ولا يعرفون طرف العالم بل ولا يعرفون إن كان هناك بشر في طرف العالم الأرضي. ولكن البشر عرفوا العالم الأرضي وكل البشر الذين على الأرض، ولم يبق الآن بشر ولا أرض لم تدخل في معرفة الناس. بل يريد البشر الآن أن يعرفوا فيما إذا كانت هناك كائنات حية، ومتطورة في وعيها مثل البشر، في الكواكب والمجرات البعيدة. كل الكشوفات الكبيرة والعظيمة كانت تُستغل من قبل مكتشفيها في أول الأمر ولكن هذه الكشوفات كانت تنتقل وتعم الناس فتصير عالمية، مثل استئناس الحيوان واكتشاف الزراعة واكتشاف الكتابة. إن الكتابة كانت محصورة في بيئات معينة، حتى إن العرب قبل الإسلام لم تكن قد دخلت إلى عصر الكتب، ومفهوم "أهل الكتاب" ينبغي أن يتوسع في مدلوله، لأن الدخول إلى عصر الكتابة هو بدء التاريخ وبدء الاستثمار الصحيح لطاقة الإنسانية الفكرية. إن الأنترنيت مثلاً كان من ابتكار وتطبيق موظفي البنتاغون للتواصل السريع ولكن هذه التقنية فلتت منهم وصارت عالمية ولن يتمكن أحد من السيطرة عليها بعد الآن واستغلالها لصالحها الخاص. كذلك العولمة، أي تنظيم العالم. صحيح إن العالمية تقتضي سيطرة وتنظيم عالمي، ولكن الذين يريدون أن تبقى العالمية امتيازات لبعض الناس فهم في وهم، وهذه أمنياتهم فقط. ينبغي أن لا نكون ضد العالمية، ولكن ينبغي علينا أيضاً أن نرفع مستوانا حتى لا يتمكن أحد من استغلالنا.
وأعظم ما كشفه الأنبياء وأرادوا أن يعلموه للناس هو أن الإنسان لا يمكن أن يُستغل ويُستذل إلا برضاه وبجهله. فإن تعلم هذا فلا يمكن أن يستغله ويستذله أحد، ولن يرضى هو. بل حتى ولا يمكن أن يستغل. فمن هنا كان نشر العلم وعدم كتمه وحصره هو ما بُعث به الأنبياء. والتقنيات صارت عالمية أي أن الحصول على المعلومات صار متيسراً. ليس الآخرون هم الذين يكتمون المعلومات عنا وإنما نحن الذين نخاف من المعلومات. نخاف أن نعرف ما حدث، بينما لا نجاة لنا إلا بالمعرفة والقراءة. قراءة كل شيء صار ممكناً والعالم الإسلامي هو الذي يمتنع عن الدخول إلى المعرفة.
آه يا خفيف الجناح، يا من يتمتع بالنسيم، ما يدريك ما نحن فيه من الظلام والحيرة؟ إننا نريد أن نحفظ أنفسنا بالتغييب عن العالم. ولكن العلم نفسه تحرر وصار في كل بيت، ونحن نرفض ونخاف. وبرضانا نبقي أنفسنا وشعوبنا في الظلام. علينا أن لا نخاف من الفكر والمعرفة. علينا أن لا نخاف حتى من الكفر. ونحن اختلط علينا الكفر بالفكر، فلهذا نخاف من الفكر كما نخاف من الكفر. ولكن نجهل أن الكفر نتيجة غيبة الفكر وليس العكس.
متى سنتعلم؟ متى سنتحرر؟ إن المسيح يقول: "تعرفون الحق والحق يحرركم". المعرفة قوة والمعرفة تحرر والمعرفة عالمية، وينبغي أن ندخل عليهم الباب. لا يمكن استغلال إلا الجاهل. متى سيتعلم العالم الإسلامي أن لا يخاف من المعرفة؟ من الفهم؟ من الحضور؟ لا يمكن أن تغيب نفسك الآن. لم تعد أرض الله واسعة. ضاقت الأرض ولم يعد هناك ملجأ لنخفي أنفسنا عن المعرفة. فإن نحن غيبنا أنفسنا نكون مثل النعامة التي تدفن رأسها. ولكن هذا الأسلوب ليس هو طريق النجاة. إنما النجاة باقتحام المعرفة، أن نكون شهداء لا غائبين لما يحدث في العالم وعما يحدث في العالم. كانت طريقة علماء المسلمين في مواجهتهم للمعرفة المتفجرة أن نغيب أنفسنا عن العالم. ولكن لم يعد هذا ممكناً. إنني أعترف بكل القوة والتأكيد أنني ضعيف البيان في كشف الأصنام التي تسد علينا سبل المعرفة. ولكن العلم يحمي نفسه، ورحم الله مالكاً حين قال: إن العلم بحرصه على الحقيقة يصبح أخلاقاً لا يطيق الصبر على الخطأ حتى يجري التصحيح اللازم. والعلم ليس ضد الأخلاق. بل إن الأخلاق ثمرة العلم وخلاصة المعرفة والتجارب. وحين انفصل العلم عن الأخلاق صارت الأخلاق أغلالاً وأقفالاً وضلالاً. فالعلم هو علم العواقب ومعرفة العواقب هي الأخلاق. والأخلاق المنفصلة عن العلم والعواقب هي خلق الأولين، التمسك بالمنسوخ بالذي فات أوانه. الحمد لله رب العالمين، كم مرة يجب على المسلم أن يتلو هذه الآية. إن الجاهل يرتد عليه جهله بالخسارة، والخسارة والتخلف هو السوط، سوط الله. سوط العذاب هو الذي يسوق الناس إلى المعرفة، وكل شيء يصير علماً يصير عالمياً والإسلام حين نفهمه على علم يصير عالمياً ولهذا فلت العلم والإسلام من العالم الإسلامي، بينما أسلم الناس للعلم. والآن لا يمكن أن يخضع الناس إلا للعلم، "فهل عندكم من علم فتخرجوه لنا". إن هؤلاء الذين يخوفوننا من العلم والمعرفة ليحفظوا علينا إيماننا يدعمون الشرك. إن إبراهيم عليه السلام علّمنا أن لا نخاف، والإسلام هو "لا تخف إنك من الآمنين"، وعباد الله لا خوف عليهم في المستقبل ولا هم يحزنون على الماضي الغائب. وإبراهيم هو الذي قال: "فكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون". "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"، "بظلام " لأن الظلم ظلمات كما ورد في الحديث. "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون".
اليقظة اليقظة! السمع السمع! البصر البصر! يا مسلمون! يا عالم! يا إنسان! إن الظلم والكفر والظلام هو خداع الناس وتأخير المعرفة عنهم واستغلالهم. الفرق بين الأنبياء وأقوامهم الرافضين أن الأنبياء كان كل همهم نشر المعرفة والعلم والنور ضد الظلام. وأقوام الأنبياء المعارضين يخافون من انتشار النور والعلم والمعرفة. ومرض العالم الآن هو أن الذين يعلمون يريدون أن يكتموا العلم، ويخافون من انتشار العلم والمعرفة ويعملون على تأخير انتشارهما. فهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر والأناني والإيثاري، ولكن الله الحق غالب على أمره. "ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون". إن نور الله سيعم العالم. "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون". "ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون". وإيماني بهذه الحقيقة ليس إيماناً بالغيب، بل صرت أراه في عالم الشهادة، أراه في آيات الله في الآفاق والأنفس، لم يعد شيئاً خافياً. وإن نحن لم نقم به فسيستبدلنا الله بغيرنا. الحق يجد أعوانه والقرآن سيخلق أتباعه. يستبدل غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا، فسوف يأتي الله بقوم يحبون الله رب العالمين. ويحبون خلقه ويرحمون عياله وهم سيكونون أقرب إلى الله منا.
ولنعلم أن الديمقراطية أقرب إلى الله ورسوله مما عليه المسلمون الآن. وأن الديمقراطية والكفر بالطواغيت ليس من ابتكار المسلمين ولا من مكتشفاتهم وإنما من مكتشفات غيرهم. بل إن المسلمين لا يستطيعون اقتباسها بعد أن اكتشفها الناس ونعموا بها وسلطهم بها علينا. إلى متى نظل نقفل أعيننا ونضع الأقفال على قلوبنا؟ متى سنضع الآصار عن كواهلنا؟ ومتى سنضع الأغلال عن أعناقنا؟ "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً". لقد بزغ الفجر وانكسر الظلام وتحطمت القيود، و"أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون". "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين". وإنه لكائن، هل أجبت على السؤال؟ لا ونعم.