قضايا إسلامية معاصرة: السؤال الخامس
من Jawdat Said
|
|
السؤال الخامس: اشتهر جودت سعيد بدعوته لنبذ العنف بل شدد على ضرورة كسر السيف والتخلص من السلاح وشبَّه شراء الأسلحة بشراء الأصنام، وأكد على ضرورة تبني مذهب ابن آدم الأول، كما وسم بذلك أول عمل عرف له قبل ثلث قرن. هل يدعو جودت سعيد إلى تعطيل الجهاد كفريضة ولو توفرت كافة شرائطها؟ وهل يطلب من المسلمين التمرد على قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"؟ وهل يريد منا أن نتفرج على ترسانة الكيان الصهيوني الهائلة؟ وهل ينبغي أن نوقف حركات المقاومة ونخنع لنزعته العدوانية
الجواب: أظن أن أخي عبد الجبار يريد أن يستفزني في هذا الموضوع. لا أزال أحمل سؤاله الطويل -أطول سؤال من بين أسئلته ما يتعلق بالعنف- أنه يريد مني أن أكون أكثر وضوحا وبياناً في هذا الموضوع، وله الحق في ذلك ونتمنى أن نبلغ ببياننا إلى وضع أفضل. قبل أكثر من ثلث قرن لما كتبت ابن آدم كان همي الإعلان عن هذه الفكرة، وأنني أدعو إليها. ولم يكن لي طمع في أن أقنع الناس بها. لهذا وضعت في ذلك الكتاب عنواناً، "للإعلان أكثر منه للإقناع". كتب لي كثيرون أن أحاول إقناع الناس وأن أكتب للإقناع وليس للإعلان فقط. وكثرت الشبهات حول هذه الفكرة، وهذا دليل على صعوبة الموضوع. وعندما نفهم الموضوع سنتحول إلى التعجب، كيف كنا لا نفهم هذه الفكرة، كما كان الذين لا قدرة لهم على فهم أن الشمس لا تدور حولنا وإنما نحن ندور حولها وأمامها. ولا مانع أن أعيد ترجمة بيت الشعر الفارسي الذي ذكره الخاتمي في "كتابه بيم موج": "يا طير يا خفيف الجناح يا أيها المتنعم بالنسيم الساحر أنى لك أن تدرك ما نحن فيه، إذ نحن في ظلمة الليل وغمرات الموج العاتي بين الخوف والرجاء." نحن في هذا الظلام وربما يشعر الخاتمي أنه يعيش هذه الظلمات. كان الله في عونه ونتمنى له التوفيق على هذه المهمة الكبيرة التي يقوم بها. لفهم هذا الموضوع ينبغي أن نفهم دور الأفكار المسيطرة وكيف تحول دون الفهم وتغلق على الناس سمعهم وبصرهم فلا تغني الأسماع والأبصار والعقول. والقرآن شديد الاهتمام بهذه الحالة. ويذكر الصم والبكم والعمي "صم بكم عمي فهم لا يرجعون". أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ولا في الملة الآخرة. الكتاب في حالة ضياع. مفهوم العلم لا يجدي شيئاً. أوليست اليهود والنصارى بيدهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء؟
إن وضع العالم الإسلامي المأساوي هو الذي يسوغ لنا أن نفكر في مشكلة المسلمين. لماذا هم أخسر الناس أعمالاً من دون الناس أجمعين؟ لما بدأت أدعو إلى هذا كان سبب انطلاقي أنني وثقت بإقناع العقل الإنساني أكثر من قهره. ما لم نعترف أن الإنسان يعطي على الإقناع أكثر مما يعطي على التخويف والإكراه لا نكون بدأنا في فهم الإنسان ولا الله تعالى. ينبغي أن نفهم ثلاثة أشياء: 1-ظننا بالله، 2-التعرف على خلقه وسننه، 3-قدرة الجهاز العصبي على التسخير.
أولا: نحن لم نعرف الله بعد. مايزال الله عندنا كما قال تعالى: "ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين"، وقال: "يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية". إذن فهمنا لله حتماً ليس فهماً صحيحاً. ولا مانع أن أذكر هنا المفكر العملاق، علي شريعتي. هذا الإنسان كان متخصصاً في دراسة علم اجتماع ومقارنة الأديان. حين قرأت كتابه "الإنسان والإسلام"، شعرت وكأن علي شريعتي يلعب الجمباز بين قوم معاقين أو مكرسحين. هذا الرجل مبصر يسمع، يفهم، ويعي. ويشعل كذلك في قلب من يقرؤه إيمانه المتأجج. فهو يقول: إن كل مجتمع يصنع إلهه على قدر وعي هذا المجتمع. هذه حقيقة واقعية. فإذا كان علينا أن نفهم الله ونعرفه، فإن الله لا يمكن معرفته إلا من خلال خلقه. إذن، الشيء الثاني الذي ينبغي أن نعرفه هو هذا الكون الذي خلقه الله على سنن ثابتة ولكنها متطورة أيضاً. فالله يخلق أشياء جديدة ويزيد في الخلق. ونهاية مخلوقاته هو الخلق الآخر، الإنسان. وهذا ما يأتي بنا إلى الشيء الثالث. إن الجهاز العصبي لهذا الإنسان القادر على التأمل وكشف السنن قادر على التسخير. فهذه الأمور الثلاثة متلازمة: الكون كله يدل على الله، به نعرف الله، نكشف كيف خلق الإبل والجبال والأمم. والإنسان له سلطان على هذا الكون، لأن هذا الكون يخضع للسنن، والإنسان قادر على فهم السنن والتسخير."كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين". كان الناس أمة واحدة ولا يزالون. كانوا أمة واحدة في فهمهم، يعبدون الطاغوت، يعبدون من يملك القوة. كانت القوة هي الحق. هكذا سار التاريخ ولا يزال: أنا قوي أنا ربكم الأعلى. هذه هي الأمة الواحدة في كل مكان في العالم حتى أمريكا، الطاغوت الأكبر تقول: أنا ربكم الأعلى. مادام الحق للقوة فهذه شريعة الغاب. أمة واحدة هي إشارة لما كان الناس عليه من عبادة للقوة ولمن يملك القوة. فبعث الله النبيين حتى يعزلوا القوة ويجتنبوا طاعته والتسليم له. فهنا حصل انشقاق في تاريخ الإنسانية. فبما أن للإنسان جهاز عصبي قابل للفهم والتسخير، لا يجوز أن يتسخر ليشر مثله. وهذا ما جاء به الأنبياء. بحثت هذا الموضوع ولا أزال أبحثه. ففي العام الماضي صدر لي كتاب بعنوان: "كن كابن آدم"، وإن شاء الله سأكتب كتاباً آخر بعنوان: "اكسر قوسك". وأنا أقول إن شراء الأسلحة مثل شراء الأصنام لأصدم المسلم ولأصدم الإنسان عامة.
أريد أن أقول لهم: أنتم يمكن أن تتفاهموا، ولا يمكن أن تعيشوا شريعة الغاب. ينبغي أن تضعوا مفاهيم وقواعد وقوانين وسنن لتتعاملوا مع بعضكم. إن الإنسان لا يمكن أن يكون إنساناً إلا إذا صار مثل ابن آدم.
كيف يمكن أن نفهم الموضوع؟ دعوة الرسول (ص) ستساعد المسلمين والناس على فهم موضوع ابن آدم، وبدونها لا يمكن الاقتراب من هذا الموضوع في ظروفنا الحالية. إن الرسول (ص) ممثل الأنبياء والشاهد لهم وعليهم. "إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً". الأنبياء جاءوا بدين واحد وهو التوحيد أما العبادات فتختلف بينهم. والمعاملات تتطور حسب الزمان على محور ثابت هو العدل. بل أن التوحيد هو أن لا يخل أحد بالعدل. فالظلم هو الشرك العظيم والشرك هو الظلم العظيم.
إقامة العدل بين الناس هو التوحيد، أي كلمة السواء. "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم …أن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً". كلمة السواء هي العدل، أي أعطيك من الحق مثل ما آخذ لنفسي وأحرّم عليك ما أحرّمه على نفسي. ومن سواك بنفسه ما ظلمك. "ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه". وإذا رفض الآخر قبول العدل فأنا الذي سأضع القانون وألتزمه من طرف واحد، ولا أنتظر الآخر. وإذا كان الآخر هو الذي يضع القانون الذي يحكمني فأنا أيضا أضع القانون والسنة وألتزمها من طرف واحد. هذا ما علمنا إياه الرسول (ص) وهذا أعظم شيء نزل من السماء أو نبت من الأرض.
لا يمكن أن تكون مسلماً إلا إذا كنت مثل ابن آدم. إن الرسول كان مثل ابن آدم. دعا إلى الله فمنهم من آمن به ومنهم من كفر. وبدأ الذين كفروا يعذبون الذين آمنوا ويفتنونهم عن دينهم ويكرهونهم على الكفر، والرسول يقول: صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة. والقرآن يقول: "كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة". وعلمهم في أول سورة وجوب معصية الطاغوت الذي يريد أن يفرض رأيه بالقوة. قال الله: "أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى… لا تطعه واسجد…" وقال: "إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات… وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد." وهو (ص) لم يدافع عن نفسه. فمن هنا ترى كيف بدأ العمل الإسلامي من الصفر، بالدعوة والصبر على الأذى. يقص ذلك في القرآن على لسان الأنبياء جميعاً: "ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب.
قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى
قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين.
قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون.
وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد".
الحوار هنا ليس على لسان رسول معين وإنما على لسان الرسل كلهم، وعلى لسان الأقوام كلهم، وأحياناً يتكلم نبي معين نفس الكلام: الدعوة وعندها مقابلة الدعوة بالأذية، والإخراج من الديار والإكراه على العودة إلى ملتهم.
لا بد من تحليل هذه الحالة الدائمة الثابتة. كيف حل الأنبياء المشكلة؟ حلوها بكلمة السواء. نحن ندعو وأنتم تدعون ولا نلجأ إلى الإكراه والأذية والإخراج من الديار. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. لا إكراه في الدين. الدين هو الاعتقاد والرأي، لا إكراه فيه وإنما يكون بالاقتناع. فلنتنافس إذن في الإقناع، ولن نلجأ إلى العنف والإكراه، ولو لجأتم أنتم. ولنصبرن على أذيتكم حتى يقتنع الناس بنا أو بكم.
بهذا يكون الأنبياء والأديان وضعوا قانوناً عاماً: أنه في مجال الأفكار لا بد من تحييد العنف. مفهوم "لا إكراه في الدين" نفى العنف والإكراه في الرأي، وفي الدين، وفي السياسة. بل يكون العمل بالإقناع والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار والجدال بالتي هي أحسن حتى يتغير المجتمع. وهكذا قدم محمد (ص) نموذج الأمة الراشدة التي لا تؤاخذ الناس على أديانهم وأفكارهم ما لم يبدؤوا بالأذية والإكراه. ولو بُدؤوا بالأذية والإكراه لا يقابلون الأذية والإكراه إلا بالصبر حتى يحولوا المجتمع إلى الرشد. فإذا تحول المجتمع إلى الرشد فإن هذا المجتمع يحمي أفكار الناس وعقائدهم من العدوان عليها. ولهؤلاء الناس حق مثل الذي للمؤمنين من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. وهنا ينبغي أن نذكر أن المسلمين، إلا من رحم ربك، لا يتسع صدرهم لإعطاء الآخرين حق الدعوة إلى قناعاتهم مثل ما يعطون لأنفسهم. وهذا يظهر عدم ثقة بالأفكار والدين الذي يدعون إليه، وينبغي أن يعطوا للآخرين مثل الحق الذي يعطونه لأنفسهم ويحرّموا على الآخرين ما يحرّمونه على أنفسهم. وهذا ما سيؤول إليه الأمر رغم الجميع. وقانون أن الزبد يذهب جفاءً وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض هو الذي سيبقى.
وكذلك إذا بدأ المجتمع يَفسد فليس للمسلم إلا الدعوة والتوجيه. فإذا سلم له المجتمع وتقبله، عليه أن يحمي حق الجميع في الإقناع. ومن لم يقبل هذا وأراد أن يفرض رأيه بالقوة من غير أن يقنع الناس يكون رجع إلى شريعة الغاب وتأليه القوة. فموقف الأنبياء جميعاً هو موقف ابن آدم، "لنصبرن على ما آذيتمونا". وبهذا وضعوا قاعدة الديمقراطية الصحيحة. وعيب الديمقراطيات الحديثة أنهم يجيزون محاربة وقتل واغتيال المستبدين والمحتلين الأعداء من غير أن يحولوا المجتمع بدون عنف. فهذا نقص في الديمقراطية الحالية.
والمسلمون قلدوا هذه الديمقراطيات وحقوق الإنسان. إن "حقوق الإنسان" الذي جاء به الأنبياء لم تكن حقوقاً وإنما واجبات. أي أن تصنع المجتمع وتحميه بالإقناع وليس بالإكراه. والذي يلجأ إلى الإكراه أو الذي يرد بالإكراه فهما على شريعة الغاب. وبلغة الأنبياء القاتل والمقتول في النار، لأنهم جميعاً يؤلهون القوة. وهذا من أشد العقبات التي تقف أمام فهم هذا الموضوع. إن الأنبياء لا يجيزون الدفاع عن النفس. إذا آذاك ممثل المجتمع لأجل الفكرة التي تحملها لا تدافع عن نفسك، وإنما تدعو إلى صنع أمة ومجتمع لا يؤذى فيه الناس من أجل أفكارهم. فلهذا قال بعض الأنبياء جواباً على قول الأقوام:
"قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال: أولو كنا كارهين، قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علماً".
هنا يمكن أن نقول: كلمة "الملة" كلمة قرآنية. فهي تشير إلى نموذج الثقافة ومفاهيمها التي على أساسها بني المجتمع. لهذا قالوا لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا. قال في الجواب: قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها. إذن ملة الأنبياء مختلفة كلياً عن ملل العالم التي نعيش فيها. فهذا الذي جعلنا نقول في قوله تعالى: كان الناس أمة واحدة. وأنا أقول أنهم ما يزالون أمة واحدة أو ملة واحدة، لأنهم يؤمنون بتغيير عقائد الناس وأفكارهم بالقوة. فبعث الله النبيين بحماية عقائد الناس وأفكارهم. ومن فعل هذا يمكنه أن يدعو الناس إلى كلمة السواء، أنه لا إكراه في الدين، وأن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً. وأن نساعد الناس والعباد في إخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
العالم الإسلامي رهين القوة بكل مجتمعاته. ربما بدؤوا الآن يتلمسون الطريق بغموض شديد. ولا بد أن نسارع في دعوة الناس إلى رفض العنف في نشر الأفكار ورفض الساسة الذين يأتون بالعنف. كيف نرفضهم؟ نرفضهم لا بقتلهم واغتيالهم، وإنما بعدم طاعتهم في معصية الله وبعدم قبولنا الرجوع إلى ملة شريعة الغاب. والناس يظنون أنهم سيُقتلون جميعاً إن رفضوا طاعة الساسة في قتل المسلمين. هذا وهمٌ، فكلما قنع الناس بهذا الأسلوب في التغيير صعب عليهم أن يقتلوا فرداً واحداً فضلاً عن أن يقتلوا أمة. فهذا الطريق السهل، الرحيم للجميع، الهين القليل النفقات الكثير البركات، نغفل عنه ولا ندعو إليه ولا نوعي الناس به. إن هذا كتمان كبير لآيات الله البينات، فإذا دخل إلى وعي الناس هذا الأسلوب فيمكن أن يشارك فيه الأطفال والنساء وكبار السن، ولسنا في حاجة إلى سالمين ومسلحين، ولا إلى أموال وأسلحة. وإنما نقول نحن نرفض هذا ونعلن هذا، فاقتلونا إن شئتم. فهذا ما أعلنه أبو الأنبياء نوح عليه السلام وأمر الله رسوله محمداً (ص) أن يتلو هذا النبأ على قومه. قال الله: "واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون".
يا سيدي ويا عزيزي عبد الجبار، يا من يرأس مجلة "قضايا إسلامية معاصرة"، أنا لا أبطل الجهاد. ولكن أجعل جهاد رسول الله (ص) غير جهاد الخوارج. بعد عهد الراشدين ومن عهد أمية دخل المسلمون كلهم في مذهب الخوارج. ويمكن أن يكون هذا مفهوماً بسهولة إذا عرفنا أن الحكم الذي يأتي بالإكراه لا يكون حكماً شرعياً ولا راشداً، بل حكم غي وبغي. وحين يكون عندك مجتمع راشد وخرجت عليه طائفة، فهذا الذي قال الله عنه: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين".
هذا إذا تقابل من جاء بإقناع الناس ومن يريد أن يفرض نفسه على الناس، لأنه في هذه الحالة يوجد عندنا طرفان: باغ وغير باغ. عندها ينبغي أن يُقاتل الباغي. ولكن في حال كان الطرفان باغيان، أي كل منهما يريد فرض نفسه بالقوة، عندها يختلف الحكم. فإذا خرج على حكم البغي بغي آخر فيكون هذا قتال الجاهلية والراية العمياء. وفي هذا الوضع وفي مثل هذه الحالة أمر الرسول (ص) باجتناب الفرق كلها. فالأحاديث جاءت بالفرار من الفتن في مثل هذه الحالة وأمرت بكسر السيف والتزام الإنسان بيته حتى إلى درجة إذا دخل عليه يقابله بقول ابن آدم، "لئن بسطت يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين." وإن أراد أن يقتله وخاف من شعاع السيف فيلقي بثوبه على وجهه كما جاء في الحديث.
لا أشعر بتناقض ولا أشعر أني ألغيت الجهاد. بل أشعر أني منسجم تمام الانسجام مع أحاديث الرسول وسلوك الأنبياء جميعاً، ولا أشعر أن الرسول كان متناقضاً حين قال (ص): "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه ومنبله والرامي به". وكذلك لا أشعر أن هذا يناقض قوله في حديث آخر: "اكسر قوسك واقطع وتره واضرب سيفك بالحجارة". "ومن كان له غنم فليلحق بغنمه يتبع به شعف الجبال ومن كانت له إبل فليلحق بها. ومن كانت له أرض فليلحق بها". حتى لما سألوه: ومن لم يكن له شيء من ذلك، قال: "فليلزم بيته وليكن كابن آدم". لم يدرس المسلون مشكلة الخوارج إلى الآن. الخوارج هم الذين يريدون أن يصنعوا الدين بالإكراه والمجتمع بالإكراه ويقتلوا الناس لدينهم. لم يبحث موضوع الخوارج، لأن الأمور مازالت متداخلة. وقد نُقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي". فهو قال هذا ليس لأن الخروج صار مشروعاً وإنما لأن الناس كلهم صاروا خوارج. وهذا ما حدث فعلاً وإلى الآن لم يصر الموضوع واضحاً. فرغم كل الفلسفات والتحليلات التي اطلّعت عليها في شؤون شرعية الحرب والدولة والأمة، لم أجد أوضح وأقرب للفهم وأسهل للحل مما جاء به الأنبياء حسب ما حاولت أن أشرح في هذا الحوار. فياليتني أتمكن من عرض الموضوع بوضوح، وأنا مؤمن من أنه سيأتي منّظرون ومفكرون في المستقبل سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين يشرحون هذا ويوضحونه للناس حتى لا يبقى الناس في حيرة ويأس في كيفية الخروج من شريعة الغاب. فقد سن الله للأنبياء أحسن السنن كما قال تعالى: "ولا يأتونك بمثَلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً". وإني أشعر براحة عظيمة وأستطيع أن أواجه العالم بأجمعه إلى ما دعا إليه الأنبياء ألا وهي كلمة السواء وكلمة العدل وكلمة التقوى. قال تعالى عن المؤمنين أنه ألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها. ونحن ندعو العالم وفلاسفة العالم وجميع دعاة حقوق الإنسان أن نتعاون على إلغاء حق الفيتو الذي هو الفساد الأكبر في العالم جميعاً، ميراث الرومان وليس ميراث الحداثة. إن حق الفيتو عقبة أمام العالم وهو الذي يوقف نموه. والطواغيت الصغار محمية بالطاغوت الأكبر. فهؤلاء الدعاة لحقوق الإنسان هم الذين يسكتون عن الفساد الأكبر والانتهاك الأكبر لحقوق الإنسان. كيف لا يخجلون من الدعوة إلى حقوق الإنسان ويزعمون الديمقراطية. إن الفيتو الذي يقر به العالم أجمع هو ضد الديمقراطية وضد حقوق الإنسان وضد الإنسانية، فهو يحبط سعي العالم ويجعله خاسراً.
فمدعيّ الديمقراطية وحقوق الإنسان يبحثون عن القشة في أعين الناس. أما الخشبة التي في عيونهم يهملونها. ولكن هل نظل نحن أيضاً ساكتين على هذا النفاق السياسي كأنه مسلمة من مسلمات العالم. نعم كان ذلك كذلك ولكن ينبغي أن يلغى هذا الآن ويطرد وينفى من الوجود.
يا سيدي، يا عزيزي عبد الجبار، أنا لا أتمرد على الله وعلى كتابه. ولكننا ننفق الأموال الطائلة على أسلحة يعرف الذي يبيعنا كيف ومتى يدمرها إذا صارت خطراً على مصالحه. حين نسمي ونفهم هذا العمل على أنه إعداد قوة لدحر العدو واستجابة لقول الله "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" نكون قد سخرنا من أمر الله واستخففنا بمعنى الإعداد. ونكون على رأس ذلك كله أعلنا عن جهلنا بمجريات الأمور. لقد طُرد الأمريكان والمارينز من لبنان حين لم يكن للبنان جيش ولا حكومة. بل إن الشعب كان يقتل بعضه بعضاً ومع ذلك طُردت أمريكا وفرنسا وانسحبت إسرائيل من حصار بيروت. هذا ما استطاع الشعب اللبناني الطائفي الممزق أن يفعله. وكذلك استطاع الصومال، البلد الجائع العريان، أن يطرد أمريكا والأمم المتحدة بدون جيش نظامي وبدون أسلحة مما تسلح به الجيوش. ولكن المشكلة لم تكن مشكلة شعب ولم تكن مشكلة قادة ولا سياسيين وإنما كانت مشكلة القادة الفكريين. تحررت اليابان بدون حرب تحريرية، بدون أن يقتلوا الأمريكان، وبدون أن يقتتلوا هم في ما بينهم. لقد تغير العالم. إن القوة لم تعد تقوم بدور إلا دور وهم. ولكن العراق، الذي هو أعظم بكثير من لبنان ومن الصومال، يُفتش بيتاً بيتاً، ليس لغرض أمن حقيقي وإنما للإذلال. وحدث هذا لأن للعراق حكومة وجيش نظامي وأسلحة شبه متطورة. خرافة في خرافة. هذا نظام فات أوانه وأسلوبه وقد لا نتمكن من فهم هذا، ولكن ربما نفهمه حين نتذكر أن العرب قالوا أثناء حرب الخليج الثانية، اتركوا إسرائيل وانسحاب إسرائيل وحاربوا العراق. هل هذه مشكلة سلاح أم مشكلة أفكار؟ نحن نتجاهل هذه الأمور ونقول عن إسرائيل أنها تملك ترسانة أسلحة تدميرية ونحن نطلب تدمير أسلحة العراق، لأنها أخطر علينا من أسلحة إسرائيل.
يا طير يا خفيف الجناح، ما هذا الظلام الذي يمنعنا من بحث هذه القضايا؟ هل هي خارجة عن القضايا الإسلامية أم هي في صميمها؟ ولم لا نبحثها بجدية وتعمق؟ إن بعض المسلمات تحول بيننا وبين بحث هذه القضايا. ولكن ما أبهظ الثمن الذي ندفعه والزمن الذي نضيعه.
تسألني فيما إذا كنت أدعو إلى تعطيل الجهاد كفريضة ولو توفرت كافة شرائطها وفيما إذا كنت أطلب من المسلمين التمرد على قوله تعالى: "وأعدوا لهم من استطعتم من قوة".
الحمد لله، بدأ المسلمون يعون أن للجهاد شروطا وإن كانوا لا يزالون في نزاع في تحديد هذه الشرائط. لما يقول الله تعالى: "لا إكراه في الدين" فقد ضيق حدود الجهاد تضييقا شديداً. لقد وصل كثير من الناس إلى "لا إكراه في الدين"، ولم يصل المسلمون إليها بعد. إن دين الإنسان الآخر ليس هو سبب الجهاد وإنما ممارسة الإكراه في الدين. ولذلك لو كان هناك من وفر شروط الجهاد فإن المسلمين ربما كانوا هم أولى الناس بالجهاد ضدهم، لأنهم هم الذين يمارسون الإكراه في الدين وهم الذين تحكمهم الطواغيت بالإكراه. ولكن إلى الآن لا يوجد من يسعى لرفع الإكراه عن الناس وإنما ليمارس الإكراه ضدهم. ليس أمر الدين بقوة العضلات والأسلحة والتدمير وإنما هو بقوة الفكر والرشد ومساعدة الناس في رفع الظلم والإكراه عنهم.
أخي الكريم عبد الجبار، تحتج علي بآية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، وتعتبرني متمرداً على الله وعلى قوله "وأعدوا لهم…". إن الله ذكر في هذه الآية مثالاً للقوة المادية ومن رباط الخيل. فإذا قلنا الآن أن إعداد رباط الخيل للجهاد فات أوانه وبطل في العالم أن يكون قوة هل أكون متمرداً على الله وعلى كتاب الله ؟ أليس تعلق المسلمين بالقوة المادية هو ما سد عليهم منافذ الفكر، مع أن الله لما يقول لا إكراه في الدين فقد ألغى القوة المادية وحيّدها وعزلها في إقناع الناس بالدين؟ وهل علي أن أذكرك بالعدد الرابع من مجلة قضايا إسلامية لعام 1997 حين نشرتم ندوة حول أثر الزمان والمكان في الاجتهاد، ووردت فيها أمثلة من علماءٍ كبار في شأن شهادة المرأة وأشياء جديدة في أحكام العدة، فهل تمرد هؤلاء على الله وكتابه. وهل إذا ألغينا الرق وكل الأحكام المتعلقة به نكون قد ألغينا أحكاماً وردت في كتاب الله؟ إن الأمور السياسية في العالم الإسلامي هي التي ينبغي أن يجدد فيها البحث والدرس، وينبغي كشف ملاك أو هدف الإمامة والسياسة في المجتمعات. ورد في سؤالكم الحادي عشر أن محمد أركون يسخر من الذين يستشهدون بالقرآن حول حكم ما قائلاً: إن هذا العمل يثير كل المشاكل للعبور من العصر الاسطوري إلى العصر العلمي. وسألتني كيف أقوّم هذه الدعوة؟ كلام أركون لم ينشأ من فراغ. إنه متعلق بالحالة التي يكثر القرآن من وصفها في كيف أن الناس يمكن أن يكونوا في حالة لا يستفيدون من سمعهم وبصرهم وأنهم كالأنعام، ويقول الله عنهم "وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً". ويقول الله "هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً". يرفع المسلمون الآن لافتات يكتبون عليها الديمقراطية كفر بينما هم يعيشون تحت أمر الطواغيت ويريدون أن يكونوا هم طواغيت أيضاً ويفرضون على الناس الأفكار والدين بالقوة.
نعم إن كلام أركون لا يأتي من فراغ. نحن لم نهضم بعد ما حدث في العالم من تغير في مفهوم عبادة الطاغوت. فالعالم الغربي كفر بالطاغوت كما يقول إقبال ولكن لم يؤمن بعد بالله. ومعنى هذا أنهم تخلصوا في داخل بلدانهم من الطواغيت وكفروا بها، ولكن بقي عليهم أن يساعدوا الناس على التخلص من الطواغيت. إلا أنهم لا يريدون ذلك، بل يخافون أن يتمكن الآخرون في التخلص من الطواغيت.
يا أخي عبد الجبار، إن الله لم يسلط هؤلاء علينا عبثاً. إن الغباء الشديد الذي نعيشه مدعاة للسخرية. بل إن العالم الآخر لا يبحث معنا الأمور على أساس متحضر وإنما على أساس الأساطير. أليس الذي يشتري سلعة فات أوانها يعيش حالة الاسطورة؟ أليس الذي لا يقدر قيمة إقناع الإنسان وتعليمه ما حدث في العالم يعيش في عصر الأسطورة؟ يقول الله صم بكم عمي عن الذين لا قدرة لهم على فهم أنهم يعيشون في عالم متغير. فشريعة الله هي العدل وليست الأحكام الجزئية، لأنه يمكن للبشر أن يقرروا ما هو العدل في كل عصر. إن أركون له كتاب بعنوان: "الفكر الإسلامي قراءة علمية". وكتب هاشم صالح مقدمة للكتاب بعنوان: "بين مفهوم الأرثوذكسية والعقلية الدوغمائية". وفيها يفكك العقلية الدوغمائية. هذه الكلمات مصطلحات لعلوم جديدة تبحث الأسباب التي تجعل الإنسان غير قابل للفهم والإدراك.
إن العقلية الأرثوذكسية والعقلية الدوغمائية هما العقلية الآبائية التي تؤمن بالآباء وتلغي الواقع والتاريخ. تعريف الدوغمائية هي حالة الإنسان الذي تفرض عليه الظروف الموضوعية أن يغير موقفه من قضية ما ويعجز عن ذلك. ونحن العالم الإسلامي عاجزين عن تغيير موقفنا وفق الظروف المتغيرة. وهذا الذي جعل محمد إقبال يقول إن الإسلام وإن نشأ في عصر ما قبل العلم فإنه بشر بعصر العلم. ويقول مالك بن نبي: إن إنساناً يجهل إضافات القرن العشرين للمعرفة الإنسانية لا يمكن أن يدخل بين الناس إلا ويشنع بنفسه.
نعم يا أخي، العالم الإسلامي عالم مريض بكل معنى المرض. لكن لا يعني ذلك أنه غير قابل للشفاء. إن العقلية الأسطورية هي التي تقتل الناس في الجزائر والأفغان. وعلى ذكر الأفغان لا مانع من أن أذكر من أن السلطان عبد الحميد قال للأفغاني لماذا لا تذهب إلى اليابان وتبشر بالإسلام هناك؟ فقال له الأفغاني: وما جوابي إن قالوا لي قومك أحوج إلى التبشير به منا؟ إن اليابانيين هم الذين استطاعوا أن يتكيفوا مع العالم الجديد، بينما نحن إلى الآن نشتري من الغرب أسلحته التي فات أوانها بما فيها القنبلة النووية. ولكن كيف ينظر إلينا من يبيعنا السلاح؟ إنه ينظر إلينا مثل الذي يبيع لنا الخرز الأزرق لنعلقه في رقاب أبنائنا حتى ندفع عنهم الإصابة بالعين.
يا سيدي عبد الجبار، يا من يتمتع بالنسيم، هل تعلم ماذا قال نكسون لخروتشوف حين قال الثاني: أحفادكم سيكونون شيوعيين. أجابه: ربما، ولكن سيكون ذلك بالإقناع وليس بفرضها بالقوة.
إن أمريكا مفتوحة أمامنا وأمام العقل. ولكن نحن نظن أنه لا يمكن فتح أمريكا إلا بالسلاح. كيف نحرر المسلم العاجز فكرياً والذي لا يعطي قيمة للفكر؟ كيف سنُدخل المسلم إلى عالم الفكر؟ ليس عندنا من يستطيع أن يتكلم بالمنطق والعلم مع العالم. كيف يمكن…؟ إني لا أجد الكلمات، يضيق صدري ولا ينطلق لساني. بل لا قدرة لنا على الكفر بالصنم. لا نزال نخاف من الأصنام إلى الآن. لم نتحرر بعد ولا نجد كلمات للتعبير ولفضح ما نحن فيه من الظلام والحيرة والجهل. إن الإيرانيين لما قاموا بثورتهم العجائبية التي أفزعت العالم، لم يتمكنوا من تصدير ثورتهم الشعبية السلمية إلى العالم الآخر، أو حتى إلى جيرانهم. لم يكن أحد ليستطيع أن يعترض على تصدير مثل هذه الثورة السلمية التي واجهت البنادق بالزهور والورود نساءً ورجالاً، وطردوا الشاه من غير أن يطلقوا رصاصة واحدة، ولم يعد يجد ملجأً في العالم. فكما أن الإيرانيين لم يستطيعوا إبراز هذا الموضوع، وكأنه عيب أن تنجح بأسلوب سلمي وسكتوا عن هذا الجانب من ثورتهم وتمكن الخبثاء من إدانة إيران بأنها تدعم الإرهاب أو تصدر الإرهاب كذلك بقية المسلمين لم يدركوا ميزة هذه الثورة. ليس فقط أن إيران عجزت عن تصدير ثورتها العجائبية إلى الآخرين بل الآخرون أيضاً لم يستطيعوا فهم الموضوع على الإطلاق. وهذا جهل مأساوي. إن ميزة ثورة إيران هي في كونها ثورة فكر وثورة شعب، بل حتى كانت ثورة المرأة. هذه الثورة لا يجوز أن نطلق عليها ثورة لأن الثورة كلمة غربية، وإنما ينبغي أن نقول عنها إحياء الحركة النبوية وإعادة كفاح الأنبياء في هذا العصر. ولن تضيع هذه الحركة ولن تذهب سدى، فهي الحدث الخطير الذي هو باكورة الحركة الإسلامية.
أليس عجزنا عن فهم الحركة الإسلامية النبوية الإيرانية دليل على عقليتنا الأسطورية الخوارقية؟ يفسر كثير من الناس هذا الحدث على أنه خاص بإيران وبالشيعة، وكأن إيران والشيعة ليسوا من البشر. "بل أنتم بشر" وهذا قانون عام للبشرية جميعاً. واليوم وأنا أكتب هذه الكلمات أستمع إلى أخبار أندنوسيا وثورتها ضد سوهارتو وكيف مات المئات احتراقاً، ولقد شاهدنا السيارات التي تحترق وعرفنا أن الذين ماتوا احتراقاً هم الذين كانوا يشعلون المحلات بالنار، وماتوا خنقا وحرقا وهم ينهبون المحلات.
متى سيتعلم المسلمون معنى سيد الشهداء؟ متى سيفهم الناس الحدث الإيراني. فالإيرانيون لم يشعلوا النار في المباني والمتاجر، بل تحدوا منع التجول بعزم وإصرار. من الذي سيعلّم هؤلاء الناس بأن الكفاح النبوي هو لا يحرقوا ولا يسرقوا، أن يكونوا الأمناء والأمينين؟ أين العلماء؟ ألا يحق لأركون في مثل هذه المواقف أن يقول عن الذين يستشهدون بآية من القرآن أنهم يثيرون كل مشاكل العبور من العصر الأسطوري إلى العصر العلمي؟ هل نستشهد من القرآن بآية، "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض،" وبناءً عليها نقتل الرجال من الأسرى ونوزع النساء سبايا. نعم إن هذا كان عدلاً يوماً ما، ولكن هل يبقى هذا الحكم؟ إن شريعة الله هي العدل بين الناس ومفهوم العدل يتطور إلى الأفضل، أي أن النافع سينسخ ما هو أقل نفعاً، وما يراه أهل الذكر والاختصاص أقرب إلى العدل يحكموا به حتى يجدوا ما هو أفضل وأقرب إلى العدل. ربما سيظل المسلمون في إشكالية كبيرة حتى يتفهموا أنه تحدث أشياء جديدة في التاريخ. وسيتمكن الذين من بعدنا بأساليب وتقنيات جديدة من حل هذه المشكلة من غير أن يشعروا أنهم يتحدون الله وكتابه ورسوله. ولن يشعروا أنهم يعطلون كتاب الله. بل إنهم سيعظمون الله وكتابه وشريعته وسيشعرون براحة عظيمة وسيشعرون أنهم رفعوا عن أنفسهم الآصار والأغلال لا أنهم تمردوا على الله ورسوله.
ولما يقال هل نوقف المقاومة ونخنع للعدو؟ أقول لا نوقف المقاومة، ولكن إذا كان هناك أسلوب أفضل وأنجع وأقل كلفة وأعظم فائدة ومكاسب، فعلينا أن نختار الذي ينفع لنا عامة. كم سيكون عظيماً لو تعاون العرب والمسلمون على البر والتقوى من غير أن يخسر أحد شيئاً ويربح الجميع ويقاطعوا العدو وكل من يتعاون مع العدو. أمريكا ضربت الحصار على ليبيا لتسليم المتهمَين إليها بينما قبلت ليبيا أن يحاكم المُتهمان في بلد محايد. أليست هذه فرصة مهمة وكبيرة لفك الحصار عن ليبيا؟ ينبغي أن نقول أن ما تطلبه ليبيا حق وأن ما يطلبه الآخرون ظلم وليس عدلاً وأننا سنتحدى هذا الحصار. حين نغتنم مثل هذه الفرص فوراً ستفشل أمريكا وننجح نحن. ولكن لم هذا التبلد العجيب والسحر العظيم الذي لا نفرق فيه بين الممكن والمستحيل؟ بل ينبغي أن نضرب نحن الحصار على أنفسنا بدل أن يُفرض علينا. ربما أكون مجنوناً، ولكن أرى أن هذا ممكن وشعوبنا ستتحمل بكل سرور تبعة مثل هذه المواقف. ولكن لا يستطيع أحد أن يتحدث عن هذه الأمور، كأننا مسحورون وممنوعون. فكم مرة تمنت أمريكا أن تضرب الحصار على إيران ولم تستطع أن تعمل شيئاً بالذين عارضوا الحصار. نحن لا نفكر في الاستغناء عن الغذاء الأمريكي والكندي والأوربي، ونفكر بصنع قنبلة نووية. نحن نملك دجلة والفرات ونموت من فقدان الغذاء والدواء. ما هذه الخرافات ما هذه الجهالات؟ لا يطيق عقلي مواقف المسلمين من أعدائهم، وليعتبرني من شاء أنني مجنون. أشعر أنني مع أركون في أننا نعيش عصر الأسطورة والخوارق. فلماذا نحاول حل هذه المواضيع بالطرق التي يتمنى عدونا أن نحل بها المشكلة ولا نحاول حلها بدون حرب وبمواقف إنسانية وإيمانية؟ لماذا احتلت العراق الكويت ولماذا لم تضرب بصواريخها المفاعل الإسرائيلي، وقد دمر الإسرائيليون مفاعل العراق؟ لو فعلت العراق هذا بدل أن تحتل الكويت لجرت العرب كلهم إلى جانبها. ولكن ماذا نصنع بهذه الصواريخ إن كانت لا تنفعنا؟ أين العقول أين المفكرون؟
إن بلداً واحداً إذا أدرك الأمور على أساس العلم الذي يعيشه العالم الآن سيتمكن من جمع شمل العرب والمسلمين، لا بأن يفتح بلاد جيرانه بالقوات المسلحة الخرافية الأسطورية الخوارقية. لا يمكن لديكتاتور أن يحكم بلداً يفهم شعبه العلم وما وصل إليه الناس من الوعي الديمقراطي. ولا يمكن لبلد متخلف أن ينعم بحاكم ديمقراطي. لا أدري ماذا سأقول؟ إن الأمر كما يقول محمد إقبال:
ومزقت الجيوب وأنت خالي جنوني لا ألومك في قصوري.
يعني إقبال بهذا البيت أنه لو كنتُ مجنوناً بما فيه الكفاية لنقلت إليك جنوني بالعدوى، ولكن جنوني ليس كافياً ليعديك.
هناك أمور لا قدرة لنا أن نفكر فيها، وما لم نفكر فيها سنظل نقدم لعدونا على طبق من ذهب ما يتمنى أن يتهمنا به كما يقول جارودي.
هناك قصة شعبية عن يتيم كان شخص يشرف على أمواله ويسجل النفقات التي ينفقها، وعندما اطلع اليتيم على السجل وجد فيه نفقات صرفت في شراء وأجور نعال للجمال. فسأل اليتيم وصيه: هل توضع للجمال نعال كما للخيل؟ فقال الوصي الذي يشرف على أموال اليتيم: إذا صرت تفهم يا بني أن الجمال لا تحتاج إلى نعال فخذ أموالك، لقد بلغت الرشد. ولكن العالم الإسلامي لم يبلغ الرشد بعد ولا يزال ينعل الجمال ويستعد بالخيل والبغال والحمير والجمال ليجاهد في سبيل الله.
إننا لا نفهم العالم الذي نعيش فيه. إن الوحدة الأوربية حدث جديد في العالم. لا تتوحد أوربا بالفتح العسكري. فات أوان هذا النوع من التوحيد. والآن يقول المغرب العربي للوحدة الأوربية خذوني، ضموني إليكم. متى سنفهم حدث الوحدة الأوربية؟ إنها لا تصنع بالأساطير وإنما تصنع بالعلم، بالمعرفة. نحن لا نستطيع فهم هذا، ولا نحاول نشر العلم والمعرفة. بل ننفق المال الذي يمكن أن ينفق على العلم والمعرفة في شراء الأسلحة. يا له من تناقض! من الذي يستطيع كشف المرض الإسلامي؟ كان يُطلَق "الرجل المريض" على الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وكانت الحرب لتوزيع تركة هذا الرجل المريض. ياطير يا خفيف الجناح، يا من يتمتع بالنسيم ما يدريك ما نحن فيه من الظلام والأشباح والغيلان، هل يمكن أن نفهم؟ إن هذا العالم الذي نعيش فيه مسحور، وإن فك السحر ليس في حاجة إلى حرب، بل في حاجة إلى معرفة. وبما أني أشعر أني لا أستطيع نقل معرفة العالم الجديد والتكيف معه، سوف أترك متابعة بحث مشكلة العنف والحرب والقوة والإعداد للحرب.
إن الاتحاد السوفيتي لم يؤت من قلة الأسلحة وإنما من قلة الفهم والمعرفة. "فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم". في أواسط الخمسينات، كنت في بلد عربي وكان لي صديق قاضي شرعي يحكم بين الناس في الدماء والأموال والأعراض. وكان بيننا في الظاهر تبادل معرفي أسطوري. وفي عصر يوم بينما كنا وحيدين في المسجد، فاجأني بسؤال قائلاً: يا شيخ، يقول هؤلاء الكفار أن الأرض تدور؟ أما يرون كيف تدور الشمس حولنا؟ تفاجأت، ولكن تمالكت نفسي وقلت له: كفار لا يفهمون، لأني شعرت أنه لا يمكنني أن أنقله إلى العلم في هذا الموضوع. وهذا ذكرني بطفل الوزير الذي نشأ في السجن في القصة التي يذكرها ابن خلدون في مقدمته حين ظن الطفل أن الفرس مثل الفأر الذي يراه في السجن لأنه لم يكن قد رأى حصاناً، فكان يسأل والده ببراءة ويقول هل الفرس مثل الفأر يا أبت؟ في النهاية نحن أيضا نضطر أن نسلم له ونقول: نعم هو مثل الفأر يا بني.
إن إسرائيل أسطورة وشبح وفزاعة تفزع المسلمين والعرب الذين يعيشون الأسطورة والخارق. إن الصنم لا قوة فيه. نحن الذي نعطيه القوة بإيماننا به. إن الإيمان الأسطوري قوة غير قابلة للفك والاختراق، وإلا كيف نفسر بالعلم ومن غير خوارق لماذا تركنا إسرائيل في حرب الخليج الثانية وشعرنا أن المشكلات التي بين العرب بالذات أخطر بكثير من الشبح إسرائيل. وكذلك المشكلات التي بيننا أيضاً شبح وأسطورة. آمنا بالقوة فسدّت أمامنا كل الطرق، لأننا لم نر ولا نرى ولن نرى في المستقبل القريب إلا القوة لتوحيد العرب والمسلمين. لهذا كان بدى غزو الكويت منطقياً بحسب المعرفة الأسطورية التي يعيشها العالم الإسلامي.
ولهذا يرى أركون أن المسلمين لم يعبروا من إشكاليات الأسطورة. ونرى هذا المعنى حين يقول إقبال بأن الإسلام وإن نشأ في عصر ما قبل العلم إلا أنه بشر بعصر العلم. إننا لم ندخل عصر العلم والفهم إلى الآن. نحن ما زلنا في العالم المسحور، عالم الأشياء والأشباح، أما عالم الأفكار وعالم الحقائق فلن يمكن الدخول إليها ما دمنا نعيش بعقلية عصر ما قبل العلم.
من الذي سيشخص مرضنا؟ ومن الذي سيكشف الجرثومة التي تجعلنا كما نحن؟ كثيراً ما أوجه مثل هذه الأسئلة. سؤالك الذي جاء عن العنف كان أطول الأسئلة وأنا ينبغي أن أجعل الجواب أطول الأجوبة. كان أيضاً يقال لي كيف تقول باللاعنف وقد خطفت الديمقراطية من الجزائريين الذين نجحوا في الانتخابات وحرموا من نتائجها؟ فماذا سيفعلون غير اللجوء إلى العنف؟ كنت أقول لهم، تنسون ثورة إيران. فهم لم ينجحوا بانتخابات في صناديق الإقتراع، وإنما نجحوا بمقابلة الجنود بالورود. كيف نفسر هذين الحدثين: ثورة الجزائر وثورة إيران. مع الأسف يرى المسلمون أن إيران لا تخضع للعلم ولا للتفسير. يرون أنها خارقة عن القوانين والعلم والمعرفة، أنها أسطورة وخوارق. ماذا يفعل العنف في الجزائر الآن؟ وماذا عملت مواجهة الجنود بالورود في إيران، لا فرحاً بهم ولكن تحدياً لهم، أي تحدوا العنف باللاعنف كتحدي ابن آدم؟ لكن الإيرانيين لم يفتخروا بهذا الذي فعلوه لأنهم لم يدركوا أهميته. إن عيسى عليه السلام يقول في الإنجيل: "من منكم يوقد مصباحاً ثم يضعه تحت المكيال، وإنما ينبغي أن يوضع في مكان عال يراه كل الناس". كان على الإيرانيين أن يضعوا أسلوبهم اللاعنفي كالمصباح عالياً ليراه كل الناس. ولكن الإيرانيين وضعوا مصباحهم تحت المكيال. ينبغي أن يُبحث عنه في الظلام الذي أحيط به حتى يتمكن الإنسان من أن يحس به.
إني لشديد الألم والأسف أن يُهمل مثل هذا العمل الإبداعي العلمي السنني المستقبلي هذا الإهمال. ينبغي أن تنشر الصور والشروح في الأجهزة السمعية والبصرية حتى لا يبقى إنسان لم ير هذا المشهد. إن ثورة إيران مثل كل الثروات التي يطفح بها العالم الإسلامي ولكنها لم تُستثمر. فكما ذكر إقبال عصر العلم وأركون مشكلة العبور إليه فإن مالك بن نبي أيضاً قال: "إن الغرام السقيم الذي أصيب به العالم الإسلامي في تعلقه بالقوة حجب عنه قيمة المعرفة وقيمة الأفكار وأن الأفكار رصيد للأمة". وكان يضرب المثل فيقول إن ألمانيا في الحرب خسرت كل عالم أشيائها ولكن عالم أفكارها كان حياً فلهذا استطاعت أن تعيد بناء عالم أشيائها بسرعة. بينما العالم الإسلامي، الذي عالم أفكاره مصاب بالعقم، يعيش عالم الأشياء ولم يدخل بعد عالم الأفكار.
حين يقول لي عبد الجبار، هل يدعو جودت سعيد إلى تعطيل الجهاد كفريضة ولو توفرت كافة شرائطها، فإني سأعكس السؤال، هل السيد الرفاعي سيلجأ إلى القتال ولو أن الأمور كلها يمكن حلها بدون قتال؟ ما معنى الرشد؟ وما معنى الديمقراطية؟ إنه تسليم الأطراف جميعاً أن لا يحلوا المشكلة السياسية بالعنف. إن الديمقراطية لن تدخل بلداً يؤمن أهله بجواز أو وجوب صنع الحكم بالعنف. ألم نقل إن الإيمان الذي يصنع بالعنف والإكراه ليس بإيمان ولا الكفر الذي يصنع بالإكراه كفراً.
إن العالم الآن -العالم الحديث أو عالم الكبار حسب المصطلح الذي يذكره مالك بن نبي أو عالم الاستكبار حسب مصطلح الخميني- لا يمكنه حل مشكلاته بالعنف وهذا واقع كبير لم يفهمه العالم الإسلامي بعد، وكذلك لا يمكن لعالم المستضعفين أيضاً أن يحلوا مشكلاتهم بالعنف. إن حربي الخليج أكبر دليل على ذلك ولم تحلا أي مشكلة بل أدت إلى خسائر فقط لكل الأطراف المتحاربة، ما عدا عالم الكبار الذين ربحوا السحت أيضاً. إذا كان هناك عبرة وحيدة من حرب الخليج فهي أن لا نعيد مثل هذه الحروب التي نسميها جهاداً في سبيل الله ونزعم أنها وفرت كل شرائط الجهاد. يمكن أن أقول إن أمريكا لا يمكن فتحها بالحرب ولكن يمكن غزوها بالفكر. سألني بعض الناس كيف ترى أمريكا؟ قلت لهم: أمريكا تقول أقنعوني وخذوني، ولكن كيف نقنع أمريكا؟ هل نقول للأمريكان، تعالوا اعبدوا زعماءنا مثلنا. إن الإسلام بقوته الذاتية يخترق، مع كل قباحاتنا، جميع المجتمعات البشرية ولكننا نحن الذين نصد عن سبيل الله. رحم الله مالكاً، كان يقول: إن الماء يجري في المنحدر ولا يمكن أن يسقي الماء الذي في الأسفل الذي في الأعلى. نحن ليس عندنا فكر ولا حل للمشكلات. إن العالم الآخر هو الذي يحل مشكلاته بالعلم ولا يحلها بالأسطورة والخارق. فالذي عنده فكر الآن يمكن أن يغزو العالم. والفكر هو الخارق الآن وليس الصواريخ. بل إن الإنسان هو الذي سينتصر على الأصنام.
ألا فلتنعم عظام الخوارج في قبورهم! فقد تحول العالم الإسلامي كله إلى مذهبهم. وشروط الجهاد عندنا مثل شروط الخوارج، أن تكون مقتنعاً أنك على الحق وتكفّر حتى علي بن أبي طالب وتغتاله. ماذا سأقول؟ يبدو أننا في حاجة إلى حروب ودماء وعذابات أليمة حتى نؤمن. "فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم".
إن التاريخ هو الذي يعلم الناس الاعتبار. فالشقي من وعظ بنفسه، والسعيد من وعظ بغيره. يظهر أن الناس لا قدرة لهم على الاعتبار، ولهذا يذكر القرآن هلاك الأمم ولا يذكر أنها اعتبرت وتفادت الهلاك، إلا قوم يونس. ولكن تراكم العبر سيعلم الناس وتكفي حربي الخليج حتى لا نكرر حرباً ثالثة وتكفي العبر الأخرى. لهذا حين لا نعتبر التاريخ مصدراً للمعرفة لا نستطيع تفادي عقوباته. "كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"، وقال: "لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم". إننا سنتعلم، وأعترف أننا لا نزال ضعيفي الحجج وعندنا قصور في البيان، فلهذا لا ألوم الذين لا يفهمون علي وإنما ألوم نفسي قبل كل الناس. إننا إلى الآن لم نتعلم البيان الصادع، ولكنه قرب. وكأني بكثير من عقول المسلمين تنضج في هذه العذابات الأليمة التي نعيش فيها الآن.