قضايا إسلامية معاصرة: السؤال الثاني عشر

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
أسئلــة مـجلــة
قـضايا إسلامية
معــاصــرة


السؤال الثاني عشر والأخير: ما موقفكم من الاتجاهات الجديدة في تأويل النصوص المقدسة (الكتاب الكريم والسنة الشريفة) التي تذهب إلى أن أية محاولة لاستخلاص حقيقة من النص تنفتح على تعدد القراءات، ذلك أنه لا حقيقة كلية يمكن القبض عليها من النص. بل حتى محاولات تشريح وتحليل النصوص تغدو مخاتلة ومخادعة مهما ادعت النزاهة والموضوعية. ألا يعني ذلك بنسبية الحقيقة بل نفي الحقيقة التي يشي بها النص المقدس؟

الجواب: يا سيدي الكريم، أعد ذكر من أهوى ولو بملام. سنظل في مشكلة النص نأخذ ونعطي ولا نصل إلى نتيجة ما دمنا نظن أن الحقيقة في النص. الحقيقة خارج النص ولكن لن نصل إلى الحقيقة إلا بواسطة النص. وما هو النص؟ النص رمز صوتي أو ضوئي. نحن نصطلح على النص أنه يشير إلى الواقع وينقل عنه. ولا بد من الاعتراف الأولي أن المعنى لا يمكن نقله إلا بالنص وبالرمز. بدون النص والرمز لا يمكن أن نحتفظ بالخبرة. وبدون خبرة لا قيمة للنص. إن النص حامل فقط للمعنى. ولهذا العلاقة بين النص والمعنى تكاملية، لا يصح أحدهما بدون الآخر. ولا يمكن نقل المعنى من دماغ إلى آخر بدون النص. وإذا أردنا أن نتحقق من المعنى فالمرجع هو المعنى الخارجي وليس النص، وهذا الذي أعيده وأكرره بل وأقول أن صاحب النص يقول: ارجع إلى الواقع لتتأكد من صحة النص. "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق". ولهذا يقولون، كما في سؤالك، أن لا حقيقة كلية يمكن القبض عليها من النص. فما يخطر على بالنا الآن عند ذكر كلمتي "الأرض" و"السماء" ليس هو ما كان يخطر على بال من نزل عليهم القرآن.

إذن، النص ثابت والمعنى متحرك. ونحن ينبغي أن نرجع إلى المصدر الأساسي. هذا ما يأمر به العلم، وهذا ما يأمر به الله، وهذا ما نجده في أمثال العرب حين قالوا: إن يبغي عليك قومك لا يبغي عليك القمر. القمر لن يتقدم ولن يتأخر ولن يتغير. هو كما هو وإنما نحن الذين نتغير في مفاهيمنا وأفكارنا. لو كانت الحقيقة في النص لأحرقتنا كلمة النار حين ننطق بها وهذا لا يكون.

هذه هي الإشكالية. وإذا فهمناها نرتاح ونطمئن ونقول إن شهِدت لك آيات الآفاق والأنفس فقد أمسكت بالحقيقة حتى يأتي ما هو أفضل شهادة وأحسن استخداماً. "قل فأتو بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين". "ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون."

لا بد من زوجين "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون". بدون زوجين لا ذرية ولا إنجاب، وبدون زوجي النص والمعنى سنظل نعيش في العقم والتيه والخيالات والهلوسات. لهذا خلق الله الزوجين وقال عن النص والكلمة "فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون".

لما نحلل ماذا يحدث حين ننطق نجد أن للكلام أربعة أركان: متكلم، وسامع، وموضوع متحدث عنه، وكلام يحمل المعنى. ولا يصل المعنى إلينا بدون الكلمة، لأن الكلمة هي حامل المعنى. ولكن لا يوثق بالكلمة أيضاً بدون الرجوع إلى الواقع المشار إليه. والدليل الشمس، "ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً" فقد انخدع العالم جميعاً حين فسروا أنها تدور حولنا.

والحمد لله رب العالمين.

جودت سعيد

3 حزيران 1998