قضايا إسلامية معاصرة: السؤال الثالث

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
أسئلــة مـجلــة
قـضايا إسلامية
معــاصــرة


ما هي معالم مشروع "سنن تغيير النفس والمجتمع"؟ وهل ولد مشروعكم هذا وترعرع في رحم مشروع "مشكلات حضارة" للمفكر المسلم مالك بن نبي؟

الجواب: ربما الأمر هكذا، ولكني شديد الحرص على إعادة الحياة للكلمات القرآنية، وأن نعيد الحياة للمصطلحات الإسلامية القرآنية. إن كلمة "سنن" كلمة عريقة في قرآنيتها وورودها في أحاديث الرسول. والسنة كما عرفها العلماء هي "أن يفعل في الثاني مثل ما فعل في الأول". هذا التوضيح لمعنى السنة مهم، وهذا معنى "ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلاً". هذا إشارة إلى ثبات السنن: النار تحرق بشروط والمجتمع يهلَك بشروط. ونتيجة السنة حتمية "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين". "والله لا يخلف الميعاد". هذا الموضوع ينبغي أن يبحث ليعود لهذا المصطلح بريقه وواقعيته. ينبغي أن تبحث السنن المادية والنفسية، الفردية والجماعية. والأمر مشتبه إلى الآن. بعضهم يفهم "السنة" على أنها سنة الرسول، أو المذهب السني، ولا يفهمون أنها القانون والقاعدة والنظام الذي لا يتخلف. وربما يمكن أن نقول: لب العلم هو كشف السنة، وعلى أساسها يكون التسخير، وعلى أساسها يتم استخلاف الإنسان في الأرض. هذا مشروع وبداية ونرجو أن يتكامل ويتواصل. وهذا واجب الشباب العلماء الذين يأتون من بعدنا، وسيتم هذا رغماً عن الجميع مهما أراد المريدون أن يخفتوا أو يطفئوا نور الله، وقانون الله، فإن الله متم نوره ولو كره الكافرون والمشركون وكفى بالله حسيبا.

وكذلك كلمة "التغيير" كلمة عريقة في قرآنيتها، سواء الفاعل الذي اسند إليه أو المفعول الذي وقع عليه، والتغيير إزالة ووضع. وهذا يحمل معنى عميقاً، وهو أن الذي فسد يمكن إصلاحه. هذا معنى التغيير. وهذا الفهم مهم لأن التزكية والتدسية ابتداءاً قد يكونا أسهل من التدسية والتزكية تغييراً. أي التغيير بعد التشكل أصعب. وتغيير ما بالأنفس هو وظيفة البشر وليس وظيفة الله. أما تغيير ما بالأقوام من نتائج تغيير ما بالأنفس. وهو من الله، لأنه إذا غير الأقوام ما بأنفسهم يغير الله ما بالقوم من النعمة أو النقمة. فإذا تعاملنا مع الواقع سنتعلم كيف نقوم بعملية تغيير ما بالأنفس. وفي الواقع إن عبارة "تغيير النفس" ليست هي الصحيحة. تغيير ما بالنفس أصح تعبيراً، لأن النفس وعاء المفاهيم الخيرة أو الشريرة، مفاهيم الخطأ والصواب. وتغيير ما في النفس وظيفة البشر. إن كلمة "النفس" كلمة عريقة بقوة في القرآن. النفس الأمارة والنفس اللوامة والنفس المطمئنة. وعلم النفس الذي بدأ الناس يتعاملون معه يتخوف منه المسلمون كثيراً وخاصة لارتباطه باسم فرويد وغيره ممن لا يرون فيهم إلا الشر. ولكن تغيير ما بالأنفس سنة بشرية لا شرقية ولا غربية، لا عربية ولا أعجمية. وهذا موضوع ينبغي أن يصير علماً ويقيناً لا تردد فيه ولا غموض.

أما كلمة "المجتمع" ربما هي مثل كلمة "الحضارة" عند مالك. فهي ليست بعراقة بقية المصطلحات، ولكن ربما المراد أو المقابل القرآني لكلمة المجتمع هي كلمة "الأمة". وإن كانت هناك كلمات قريبة لكلمة "مجتمع" مثل الجماعة، "يد الله مع الجماعة"…الخ.

مشروع مالك بن نبي مشروع سنني واقعي ويخاطب العقول العلمية الحديثة أكثر. ولكن كلمتي "الحضارة" و"الثقافة" ليستا من المصطلحات القرآنية أو مما أثر عن الرسول أو حتى من المصطلحات الإسلامية. فكلمتا الحضارة والثقافة وإن كانتا كلمتان عربيتان فليس لهما خصوصية إسلامية. وأنا وإن كنت شديد الحرص على سنن الله وآياته في الآفاق والأنفس، إلا أني حريص أيضا على أن يكون ذلك مرتبطاً بالقرآن وكلمات القرآن. وأنا عانيت بعد أن درست مالك بن نبي في اختيار الكلمات التي أحييها من القرآن مقابل مصطلحاته. هذه مسالك عانينا فيها والذين يأتون من بعدنا سيحررون المواضيع والكلمات. والغزالي قال: "من طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك، وكان كمن يستدبر الغرب وهو يطلبه. وأما من حرر المعاني أولاً ثم أتبع الألفاظ المعاني فقد اهتدى." ونحن ينبغي أن نحرر المعاني ثم نربطها بكلمات القرآن. هذا هو الهاجس الذي كان يلازمني حين حاولت أن أعطي اهتماماً لتغيير ما بالمسلمين وتغيير ما بأنفسهم. ولصلتي الشديدة بمالك بن نبي الفكرية حاولت أن أقربه من ضمير المسلم بالمصطلحات والمعاني القرآنية. وهذا الحرص الشديد مني على تصحيح العلاقة بين الوقائع والكلمات هو الذي جعلني أهتم بما ورد في سؤالك الرابع.