سنة مجتمع لا سنة فرد
من Jawdat Said
إن الآية ، حين تبين هذه السنة ، تبين أنها ، سنَّة اجتماعية لا سنَّة فردية ، بمعنى أن كلمة « بقوم » تعني الجمع أو الجماعة التي يطلق عليها أمَّة ، أو مجتمع . ولعلنا نبين معنى المجتمع إن شاء الله في المستقبل .
ولا يفهم من الآية ، قصد فرد معين، بدليل أن الله لم يقل (إن الله لا يغير ما بإنسان حتى يغير ما بنفسه)، ولا ما يدل على شخص فرد، سواء كان رجلاً أم امرأة، مؤمناً كان أم كافراً. وإنما الحديث عن قوم، عن مجتمع، له خصائصه بما يشمل الرجال والنساء، الصغار والكبار، بكل محتويات القوم أو المجتمع المعين أو الأمة.
لا بد أن يتم التغيير ضمن نسبة محددة في النفوس ليتم تغيير الواقع
وينتج عن هذه الملاحظة، أنه لا يشترط أن يغير الله ما بشخص إذا غير ما بنفسه. كما أنه لا يشترط أيضاً أنه لا يغير الله بالشخص إن غير ما بنفسه، لأن البحث ليس عن شخص معين ، وإنما البحث عن مجتمع بمعناه الخاص، أي باعتباره كياناً واحداً. إذ أن الفرد، يمكن أن يتغير ما به في بعض الجوانب، إن غير ما بنفسه، ولكن ذلك ليس دائماً في كل الأمور ، فهناك أمور خاصة بالمجتمع، لابد من تغييرها، حتى ينال الفرد نصيبه من هذا التغيير. وعلى هذا يكون مضمون الآية (إن الله لا يغير ما بقوم) – ما بمجتمع أو كيان اجتماعي – حتى يغير ها المجتمع، أو الكيان الاجتماعي، ما بأنفسهم. وبهذا نرجو أن نكون قد نبهنا إلى هذه الملاحظة التي سنحتاج إليها أثناء البحث، لأنه يترتب عليها أمور، قد يحدث بدونها اختلاط وعدم وضوح، ويتوقف في قبول النتائج التي نريد أن نصل إليها.
ولكي نقرب الموضوع إلى الأذهان أكثر نقول : إن الله تعالى يقول : « إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون . الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مشتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين » الأنفال – 66 - .
نفهم من هذه الآية أن صبر عدد قليل كعشرة أمام ألف لا يشترط إحراز النصر ، فكأن الآية تتحدث عن توازن في الكم والكيف ضمن حدين . ويمكن الاختلاف على اعتبار أن العدد لا مفهوم له . ولكن الذي لا يمكن الخلاف عليه هو اعتبار التوازن في الكم والكيف ، وزيادة الكم حين يضعف الكيف ، وهذا واضح في قوله تعالى : « الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين » ، بعد أن كانوا يغلبون ألفاً .
فمن هنا نفهم ، أن الغلب أو النصر الذي يحرزه المجتمع ، أو الأمة المخاطبة بقوله : (منكم) لا يتم بثبات فرد ، أو بأن يكون ما بنفس فرد قد تغير ، إذ لا بد من ثبات عدد معين ، له حد أدنى وأعلى ، وإن كانت آية الأنفال هذه تحدد الكم ، وتدخل عامل الكيف ، الذي جاء بحثه في موضوع خاص ألا وهو الثبات في المعركة . إلا أن هذه الخصوصية ليست محصورة في المعركة القتالية ، فمعارك الحياة كثيرة ، فمعركة بناء المجتمع كذلك تحتاج إلى التوازن نفسه .
ونَذْرُ الإنسان نفسه ، وما وهبه الله من قوة وعمر في سبيل فهم مشكلات المسلمين ، يشمل كذلك نفس التوازن ، سواء ذلك في بناء الفرد والمجتمع .
ومعركة التعامل مع سنن الله على أساس الوعي ، أمر يشمل الكافرين والمؤمنين ، وأن الفقه لسنن الله يعطي النتائج حتى للكافرين ، ولها لما قال تعالى : «يغلبوا ألفاً من الذين كفروا » أعقبه بقوله «بأنهم قوم لا يفقهون » فهذا يدل على تدخل فقه الكافرين أيضاً، كماً وكيفاً، ولاسيما الفقه لسنن الحياة الدنيا كما سنبحثه فيما يأتي، لأن الله يمد المؤمنين والكافرين : «كُلَّاً نُمِدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً». الإسراء – 20 -.
وهذا النظر إلى الموضوع يبين، خطورة أن يبقى في المجتمع أعداد، مهما كانوا قلة، لا يتمتعون بالوعي التام لقضايا المجتمع. وكذلك، خطورة عدم وجود العدد الكافي، أو الحد الأدنى، من الذين يعون الأمور على هذا الأساس من النظر. وإدراك ضرر وجود غير الواعين في الأمة، يولد لدى المجتمع شعوراً بالخطر، أن يكون المركب الذي يسير بالمجتمع، يحتوي على نماذج لا تعرف سنن طفو الأجسام على الماء، فيسعون بحسن نية، أو سوء نية، لخرق السفينة، كما ورد في الحديث الشريف الصحيح.
تحديد مسؤولية الفرد في تأثيره على المجتمع
علينا أن ندرك؛ أن التوازن الدقيق في وعي المجتمع، يتأثر كما يتأثر توازن المركب، بحيث لو أن ذبابة وقعت على طرف المركب ، أثرت في توازنه مهما كان التأثير ضئيلاً. كما أن الجسم الإنسان نفسه ، قائم على مثل هذا التوازن الدقيق في عوامل الصحة والمرض، فالغدد في الجسم تفرز – حسب الحاجة – الإفرازات. إلا أن المجتمع لا يفرز بالغريزة، الوعي ذاته، بتنظيمه. وهذه مهمة عقل المجتمع، الذي يعتبر كل فرد فيه مسؤولاً. وتتعاظم المسؤولية على قدر ما يتوفر للمرء من فرص في تحصيل ذلك وتنفيذه.
هذا ونلاحظ أن مثال السفينة (المادة) فيزيائي، بينما في الجسم بيولوجي يعتمد على الغريزة، وفي المجتمع يعتمد على العقل.
وإدراك الموضوع بهذا المستوى، يجعل المرء يشعر بقشعريرة حين يتذكر أنه سيسأل عن عمره فيم أفناه، هذا العمر الذي يبعثره. وسيسأل عن الإمكانات الأخرى التي أهملها وضيعها حين لم يسع إلى تحويل ما أودع الله في نفسه من إمكانيات بالقوة إلى إمكانيات بالفعل. ومثال الشيء الذي عنده الإنسان بالقوة: الاستعداد الموجود عنده لتعلم القراءة والكتابة. ومثال الشيء الحاصل عنده بالفعل: هو تحول هذا الاستعداد إلى واقع عملي حين يصير هذا الإنسان قارئاً وكاتباً عن طريق الجهد الذي يبذله للتعلم. وكذلك سائر الاستعدادات الكامنة في الإنسان.