سبيل الرشد وسبيل الديمقراطية
من Jawdat Said
تأمل قوله: (اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) مع قوله: (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)!!..
كما نحن بعيدون عن الرشد الإسلامي، كذلك بعيدون عن الديمقراطية التي أنتجها اتجاه التاريخ نحو الأفضل، أنتجها الكفاح البشري كبذرة بمكن أن تلقي ضوءاً، مهما كان هذا الضوء ساطعاً أو خافتاً، على طريق التاريخ المتجه إلى الرشد رغماً عن كل الذين يريدون إيقاف التاريخ أو منعه من التقدم إلى الأفضل.
لا بد من تحليل الأمور، نقطة نقطة، لا بد من دراسة السبب الذي يجعل المسلمين لا يسلكون سبيل الرشد، أو سبيل الديمقراطية.
كيف هجرنا الرشد؟ كيف صرنا غير قادرين على اتخاذ سبيل الديمقراطية سبيلاً؟
(وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)، نحن نرى، وأمام أعيننا، عالماً كبيراً يصنع الديمقراطية والرشد، الذي ابتعدنا عنه حتى لم نعد نحلم به، أليس فينا رجل رشيد، يحل مشكلاتنا، ويضيء الظلام الذي نعيش فيه؟! هل هذا مستحيل، أم إننا لم نرشد بعد حتى فكرياً؟
لقد رأينا واقعاً، ولكننا لم نر قانوناً وسنة، لم نر آلية الحدث، لم نستخلص من الواقع سنته وقانونه.
لماذا نبذل أنفسنا في سبيل الغي؟ لماذا لا قدرة لنا على اتخاذ سبيل الرشد، وبدلاً من ذلك نبذلها في سبيل الغي والغي؟!
لماذا يصعب علينا، إلى هذه الدرجة، سلوك سبيل الرشد أو سبيل الديمقراطية؟ لماذا لا قدرة لنا على سلوكهما؟ ما هي العوامل التي تلوي أعناقنا؟ ما هي الجراثيم الفكرية التي تتلف أعصابنا، وتفقدنا إحساسنا وإدراكنا، وتسد آفاق الفهم أمامنا؟
مشكلتنا ذات طبيعة مختلفة، لماذا كلا الاتجاهين، السلفي والتقدمي الحداثوي؛ لا قدرة لهما على إعادة النظر في معنى الرشد بالنسبة للسَّلفي، وفي معنى الديمقراطية بالنسبة للتقدمي الحداثوي؟ هل هما مصابان بمرض واحد، وعقيدة واحد تتحكم فيهما؟ ما هذا الفكر الذي يحكمهما معاً، رغم اختلافهما؟
إنهما مختلفان جداً، والحوار مقطوع بينهما، والمنابذة قائمة غير قاعدة، ولكنهما، مع ذلك، متفقان جداً، في أنهما لا يجدان إلى الرشد سبيلاً ولا إلى الديمقراطية طريقاً.
لا بد أن نكشف ما يتفقان عليه، وما يختلفان فيه، حتى ينتفي الالتباس والاشتباه والغموض والحيرة.