«رسالة في الهجرة»: الفرق بين المراجعتين

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
(صفحة جديدة: {{قالب:مجلة الكلمة السواء}} __لافهرس__ __لاتحريرقسم__ <skin>gumaxgreen</skin> {| border="0" ! width=5%; style="background:#f5faff; text-ali...)
 
سطر ٨٢: سطر ٨٢:
  
 
[[تصنيف:مجلة الكلمة السواء]]
 
[[تصنيف:مجلة الكلمة السواء]]
[[تصنيف:مقالات محمد العمار]]
 

مراجعة ١١:٥٤، ٢٨ يونيو ٢٠٠٩

مجلة الكلمة السواء
مقالات مميزة
المقدمة
تمهيد
مقالات جديدة
الأمريكي المنشق، الفردانية كقضية الضمير
الذات والآخر في ضوء الإسلام
الشيء ونقيضه في علاقة الذات والآخر
العدو من وراءنا والتحدي من أمامنا
العصيان المدني
العقائد والتعايش
بماذا يحلم الإيرانيون
جودت سعيد داعية العلم والسلم
جودت سعيد في كلمات
جودت سعيد في لقاء مع رزان زيتونة
عصر الرشد (التوافق)، بيان من أجل نظام عالمي جديد
مراجعة لفوكو والثورة الإيرانية
هل القتل هو الحل
...المزيد



رسالة في الهجرة

مقـال سعد وبشر


يمكن من خلال مناقشة موضوع الهجرة أن نطرح بعض الأفكار حول مشكلة النفس والمجتمع ونحلل ثقافة التوحيد وثقافة الإشراك. وسبب اهتمامنا بالأمر أن مشروع (الهجرة) أو الخروج من (هذه البلاد) إلى (تلك البلاد)، هو أمر أشبه بالهاجس عند أبناء الجيل الحالي، ونحن نشعر أن هذا ليس ظاهرة صحية، بل هي من أعراض مرض التخلف الذي ندندن حوله.

ـ 1 ـ

هاجر الرسول (ص) من مكة إلى المدينة وكان في هجرته العديد من المسائل الحساسة وكثيراً ما تضرب مثلاً وتؤخذ نموذجاً للدعاة إلى الهجرة.

مما نفهمه من تصرفات الرسول وأقواله التي وصلت إلينا نقول: إن الرسول كان سيرفض رفضاً باتاً أية هجرة إلى أي مكان لا يتساوى فيه الناس. فيقال مثلاً لبلال أنت يا بلال أسود فلا يجوز أن تدخل الحبشة وأنت يا عمار فقير ولن نرضى أن تعيش معنا، أما أنت يا محمد فإنك أمي، ونحن لا نقبل الأميين في يثرب. لقد كان الرسول ملتزما بالمؤمنين من حوله ((وما أنا بطارد الذين تزدري أعينكم)).

طلب الرسول من صحابته أن يبادروا في الهجرة إلى الحبشة لأن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد، ونحن نتمنى وننظر للسفر إلى ملوك وحكومات و(شعوب) تظلم العالم بأجمعه.

كانت الهجرة فرض عين على كل مسلم ومسلمة، لأن معظم أهل يثرب كانوا يقولون مرحباً وطلع البدر علينا.ولم يطالب الأنصار ولا غيرهم من أهل المدينةِ المهاجرينَ بالذهب ولا بالفضة ولم يطالبوهم بحساب في البنك بل آخوهم وتقاسموا الأموال.

لقد عرضت قريش الملك والجاه والمال على الرسول على أن يترك دعوته إلى التوحيد والعدل فرفض، والناس الآن يتركون الدعوة إلى التوحيد والعدل ويتراكضون خلف ما رفضه عليه الصلاة.

هاجر الرسول(ص) بعد 13 عاماً من الصبر والدعوة في مجتمع لم يكن فيه لا حقوق إنسان ولا قانون دولي ولا محامون وكان بعض أتباع محمد عبيداً لا حقوق لهم فقط عليهم طاعة أسيادهم وكان السيد يقتل العبد دون أي رادع سوى ما سيخسره من مال ثمناً لعبده الثائر، وفي هذا العبد تظهر روح الإسلام ويتوضح كل ما يمكن أن يقدم كدليل على أهمية الإيمان واللاعنف في نجاح كل صاحب رسالة.

في مكة لم يتخذ الرسول العنف كوسيلة ولم يطمع بالحكم والجاه وكان الجميع يأمنه ولا يخشى منه خيانة قبل بدء الوحي وبعده. لقد هاجر ليبني مجتمعاً قادراً على رفع الظلم والإكراه عن المجتمعات الأخرى ولم يكن يحاول النجاة بروحه ولم يسع نحو دولة أكثر تحضراً ليجلس ويرتاح ويحصل على ضمان اجتماعي. وبعض الشباب ينامون على أبواب السفارات متمنين الحصول على إذن بالهجرة. وكل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد تعرضوا لمثل ما تعرض له بلال وطبعاً لم يصلوا لما وصل إليه بلال.

ـ 2 ـ

إن السياسيين المثقفين الفارين هرباً من التعسف السياسي وليس لرغبة مادية التجئوا في (بعض الأحيان) إلى دول أعطتهم امتيازات مادية مقابل تعسف سياسي أقسى وأمر داخلياً كان أم خارجياً، ولكنهم تقبلوه مقابل ما حصلوا عليه من امتيازات مادية. وناموا عن الضيم الذي يلقونه في المهجر بشكل تعسف ديني يؤذي حتى الديانة التي يحملون أو احتقار عنصري وناموا أيضاً على الأذى الذي تلحقه أوطانهم الجديدة بمجتمعات وشعوب أخرى بينها مجتمعاتهم الأم وبدعم منهم وذلك بما يدفعونه من ضرائب وما يقدمونه من أعمال. وأصبح الشغل الشاغل لبعضهم الحديث عن التعسف السياسي الذي فروا منه والوطن الجاهل الذي تركوه خلفهم وقد أنستهم الامتيازات ما يعيشونه من ضيم في وطنهم الجديد.

لا نرى أن فيمن يهاجرون اليوم وأمس من السياسيين المثقفين أشخاصاً كانت تهمتهم (أن يقولوا ربنا الله) ومن كانت له غير هذه التهمة فهو من طينة الحاكم (أي نفس المجموعة من الأشخاص الذين يحاول الهرب منهم). وفي معظم الأحيان تهمتهم تكون السعي ـ كأفراد أو كأعضاء في جماعات ـ إلى السلطة والحكم، وغالباً باستخدام القوة أو وسائل غير شرعية تؤمن بالعمل العنيف والسري، أو انضموا في مرحلة من حياتهم لجماعات تؤمن بالعمل السري ولم تنبذ العنف بشكل يحول دون إلصاق تهمة ممارسته بها.

لا حرج على من يؤمنون بمسؤولية الحكام عن التخلف (وهم مخطئون في ذلك كما نظن) في أن يسعوا إلى الفرار والهجرة، لكننا نتوقع ممن يعون آلية التغيير وسننه، وارتباطه بالمجتمع والعلاقة بين السلطة والمعرفة تصرفاً مخالفاً، أكثر فعالية وأقل سلبية.

لا يخطر في بال أحد أن يسكن بجوار مستنقع ينقل له الملاريا لأن (الأمراض العضوية) تنتقل من المرضى إلى الأصحاء، إلا أن الجدير بالمثقف الحقيقي الذي يعيش في بؤرة (الأمراض الفكرية) أن يعمل على نقل ثقافته إلى من حوله لأنه ملقح ويصلح كمصل لتلقيح المجتمع ضد المرض الفكري، لأن العدوى فيما يخص أمراض الفكر تنتقل من السليم إلى السقيم باتجاه معاكس لحركة العدوى في الأمراض العضوية. ولجوء المثقفين إلى المجتمعات النظيفة يحرم مجتمعاتهم من الجهاز المناعي الذي يعينهم في الأزمات فيختل التوازن المناعي للمجتمع.

وفكرة التفريق بين المريض الجسدي والمريض فكرياً هي الميزان الذي يجدر اللجوء إليه هنا، فكما أن المريض فكرياً لا يجب أن يعالج بقتله، كذلك فإن المجتمع المريض لا يهجر بل يجاهد فيه حتى يتغير.

ـ 3 ـ

قال الذين يريدون (الحياة الدنيا) يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. والذين يسعون وراء رفاهية الحياة في الغرب يريدون الحياة الدنيا. إن محمداً (صلى الله عليه) لم يأت ومعه المال ولا رغيف الخبز (ولا حتى الحرية) ولكن جاء بفكر جعل عبداً يباع ويشترى يملك نفسا وفكراً يسمو فوق مستعبديه من أثرياء مكة دون أن يملك حريته الشخصية المحضة، ولعل في ذلك من العبر أكثر مما نستطيع أن نبينه، ونقول على هامش هذه الفكرة أن هذا قد يكون السبب الحقيقي وراء عدم إنكار الإسلام بشكل واضح لنظام العبودية السائد آنذاك، .. فما جاء الإسلام للتبشير به يتجاوز هذا الأمر. فهو فإذ يطالب الأحرار والعبيد بالتزام الإسلام يبرز أن ما يشترك فيه السيد والعبد (الروح ـ الإرادة) هو ما يستهدفه الخطاب الإسلامي.

الحرية لا تنبع إلا من داخل النفس وكذلك العبودية، تلك هي (رموز نفي الذات وأسرار إثباتها)، فمن ينفي نفسه لا يستطيع أحد أن يثبتها بالنيابة عنه، ومن يثبتها لن يترك لأحد فرصة نفيها رغماً عنه.

رغم عبودية بلال إلا أنه كان أكثر حرية ممن لاذوا ببلاد الحرية، فلو أحاطت الحرية بالإنسان من كل جانب يظل عبداً ما لم ينعتق من نفسه، وإنه لو كان حراً حق الحرية فإنه سيظل حراً حتى لو أحاطت به أسوار العبودية من كل جانب.

ـ 4 ـ

إن الله لايغير مابقوم ((حتى يهاجروا))!؟

الوطن حينما يتحول إلى سجن لا يجب أن يغادر بأي حال من الأحوال، لأن الوطن لا يتحول إلى سجن بعصى سحرية، بل هو ما أوكته أيدينا ونفخت أفواهنا، إن أفراد المجتمع هم الذين يبنون جدران هذا السجن بأيديهم لبنة لبنة، سواء كانوا سجناء أم سجانين حكام أو محكومين، رشاة أو راشين، طغاة أو مستضعفين، وهم جميعاً المسؤولون عن إعادة هذا السجن إلى مدينة سليمة.

إن طينة الحاكم هي طينة المحكوم ذاتها، وثقافة (الشرطي) هي ثقافة (السائق)، كما أن أزمة الجلاد والمجلود إنما تكمن فيما يتفقان عليه من أفكار لا ما يختلفان في شأنه، إن ثقافة الراشي والمرتشي واحدة ، ثقافة تلقي في جهنم القاتل والمقتول. والمجتمع مصاب بمرض له أعراض تختلف حسب موقع كل فرد من هذا المجتمع لكن يبقى الجرثوم واحداً.

ليس في المجتمع أبناء لله أو أحباء له يستحقون أن يعيشوا برخاء وآخرون يستحقون أن تضرب عليهم الذلة والمسكنة. إن مسؤولية تخلف أي حضارة أو أمة تقسم بالتساوي على جميع أفراد الحضارة أو الأمة، وقد أقول إن (كل المسؤولية) تقع على عاتق (كل فرد). نحن نخرج من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً (ولا يمكن) أن يولد في مجتمع ما فرد خارق يستحق أن يعيش في مكان آخر.

إن (تغيير الظروف السيئة) التي تحيق بمجتمع ما تتركز حول (تغير الفكر السائد في هذا المجتمع)، تطبيقاً لآية التغير في القرأن الكريم، والمثقف هو المسؤول عن تغير ما بأنفس أفراد المجتمع.

ـ 5 ـ

(السلطة والمعرفة): من يدور في فلك من؟ الشمس والأرض، الحاكم والمحكوم، السياسي والمثقف، المجتمع والفرد.

المثقف هو المسؤول عن فساد المجتمع والحكومة والثقافة، وهو المسؤول عن الرشوة والبطالة والبيروقراطية وتدني مستوى المعيشة وسوء الأحوال الصحية وارتفاع معدل الأمية، وانخفاض معدل الأعمار، وانتشار المعتقلات والدكتاتوريات إن مثقفينا لا يؤمنون بالفكر ولا بالإنسان وهم، بدون شك، آخر من يمكن لهم أن يتنصلوا من أية مسؤولية. إن هذه المسؤولية جزءان، مسؤولية لوم ومسؤولية حل، فإن لم يكن المثقف ملوماً عن الفساد وعن أزمات المجتمع، فهو بدون شك مسؤول عن حلها، إذ كيف يمكن لغير المثقف أن يضطلع بحل هذه المشاكل، وعلى عاتق من ستلقى إن لم يتحملها المثقف (بكل من يشملهم هذا المصطلح).

إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ولا يولي قوماً والياً على غير شاكلتهم. فالحكومات تفرز على مقاس الشعوب (بالميكرون).

إن انتشار (فكرة لوم الآخرين) و(التنصل من المسؤولية) و(إلقائها على عاتق السلطة) و(الادعاء بعدم القدرة على التأثير في الأحداث)؛ إن انتشار هذه الأفكار ليس أمراً غريباً في الثقافة المتخلفة بل هو أمر طبيعي وهو سمة من سمات هذه الثقافة، وتلك الأفكار متلازمة أيضاً مع انتشار الرغبة في الهجرة وجزء عضوي منها. ولو أن الناس كانوا يؤمنون بمسؤوليتهم عن تخلف المجتمع، ويعلمون أن مسؤولية الحكومات عنها مسؤولية ثانوية جدا، ولو كانوا على علم بأن جهودهم مؤثرة في الأحداث وأن تغيير ما بالمجتمع من فساد واستبداد وظلم متعلق بتغيير ما بنفس الفرد أولاً؛ لما كانوا، وهم يعلمون كل ذلك، يشكلون مع بعضهم لبنة المجتمع المتخلف الذي يعيشون فيه.

لقد شرب سقراط السم ولم يقبل بالهروب ولا النفي، لأنه يعرف أن لا طعم للحياة مع الإكراه وبدون عدالة ((ولكن بعضنا مستعد للهرب من أجل أتفه الأسباب فنسي كرامته وإنسانيته وروح الحياة وجمال الطبيعة وحلاوة الرفاق ومتعة مجالسة الأهل والأقرباء. لعل حب الذات هو الذي أنفر الناس من حوله ففر بنفسه إلى حيث لا يعرفه أحد وربما إلى حيث لا يطالبه أحد (بالجهاد) في سبيل العدل والقسط)).

ـ 6 ـ

موعظة للذين يريدون في الأرض إصلاحاً:

إن جاهدتم في سبيل مجتمع يحفظ لكم كرامتكم وحريتكم ويؤمن لكم رزقكم (فأي فضل لكم فإن الخطاة أيضاً) يجاهدون في سبيل مجتمعاتهم إن هي حفظت لهم كرامتهم وحريتهم وأمنت لهم أرزاقهم. وإذا عاد المثقف الهارب إلى بلده بعد أن وقع التغيير فأغلقت المعتقلات وسادت الحرية وترسخت الديمقراطية على أكتاف (آخرين) دفعوا ثمنها بينما كان هو لاجئاً سياسياً أو مهاجراً فأي فضل وأي حسنة لهذا المثقف فإن الخطاة أيضاً سيعودون عندما يقع ذلك التغيير. وإن رجع آخرون بعد أن حصلوا العلم في الغرب فرحبت بهم الجامعات ومنحتهم الحكومات ما يشاؤون من امتيازات ونصبتهم في أرفع مناصبها وخصصت لهم رواتب عالية (فأي فضل لهم فإن الخطاة أيضاً) يعودون إن عرضت عليهم مثل تلك الفرص. وإن خلت المعاملات في مؤسسات المجتمع من الرشوة فقررتم الامتناع عن ممارستها (فأي فضل لكم فإن الخطاة أيضاً) لا يرشون حيث لا مجال للرشوة. وإن مارستم فكر الديمقراطية حيث مجتمع الديمقراطية فأي فضل لكم فإن بسطاء الناس وشرارهم أيضاً يمارسون الديمقراطية ويقترعون مع المقترعين ويعبرون عن آراءهم وينتقدون ويكتبون ويلتقون ويفعلون ويفعلون حيث يسود الفكر الديمقراطي وحيث يتاح لهم فعل ما يفعلون، بل إنهم لا يفكرون بعكس ذلك وسيهزؤون بمن يفكر بالانقلابات العسكرية تماماً كما نضحك نحن ممن يحترم التصويت ويلتزم القانون ويؤدي ما عليه قبل أن يطالب بما له.

ولكن جاهدوا في مجتمع لا يحترم فيه الإنسان حتى يصبح فيه الإنسان محترماً، وجاهدوا حيث لا يقدّر العلم لتغيروا فتعود للعلم قيمته الحقيقية، وامتنعوا عن الرشوة حيث تجدي الرشوة لأن ذلك يولد بذرة مجتمع صالح.