رحلة الارتقاء الإنساني
من Jawdat Said
أتركُ عالم الغيب، عالم الملائكة الذين توقعوا الفساد من الإنسان، وعالم الجن الذين قالوا: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) الجن: 72/110، واعود إلى عالمنا لأدرس كيف كان فهم الناس لوضعهم وإمكاناتهم، وكيف كان تفاعلهم مع الإبداع الذي اودع فيهم والروح الجديدة التي صُبغ بها الوجود حين نُفخت الروح في الإنسان، وتعلّم الاسماء، وأُمر بالقراءة، وأوكِل إليه اصلاح ذاته بذاته وتغيير وضعه عن طريق تغيير ما بنفسه وتزكيتها، وبالتعامل مع الواقع والنظر إلى العواقب.
لقد نفخ في الإنسان روح الفهم والعلم والمعرفة والاكتساب، ثم أنزل إليه الروح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا، مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ) الشورى: 42/52-53.
كيف نعرف البشر بما نفخ فيهم؟ كيف نهديهم إلى ما أودع فيهم من إمكانات الكشف عن الكون والذات وصولاً إلى القدرة والتسخير وبناء العالم الجديد؟!!
إن الذي أُودع فيهم هو العلم القابل للزيادة، وروح المعرفة، روح قانون حياة الجسد، وقانون الروح الذي هو العلم والكتاب والفهم والتسخير: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا، مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ ) الشورى: 42/52-53.
لقد خَرَجْتَ أيها الإنسان من قوانين عالم الجسد، وارتفعت عنها، لأنك خلق آخر نفخ فيك الروح، فلا تنكص ولا تتراجع. لا ترجع إلى قانون الجسد، بل تمسك بقانون الروح والعلم والفكر والابداع. لا تخف وأمسك بنور التاريخ. لا تنسَ تاريخك. لقد كنت هيدروجينياً، ثم تحولت إلى عناصر أخرى في قلب الشموس، ثم صرت مع لابات البراكين، ثم تحولت إلى زهرة وثمرة، ثم تحولت إلى كائن حيٍّ يسمع ويبصر، ثم نفخ فيك الروح، وأنت تتطلع إلى مقعد دق عند مليك مقتدر في الخالدين!!..
اسمع ما يقوله جلال الدين الومي، في الحوار الذي جرى بين المرأة التي تطبخ، وبين الحمص الذي كان في القدر؛ تقول المرأة مخاطبة الحمص الذي توقد النار تحته: أيتها الحمصة! لقد كنت مادة في التراب، ثم ابتسمت زهرة في النبات، ثم تحولت إلى ثمرة، والآن تنضجين لترتقي أكثر، لتتحولي إلى الإنسان، فتقول الحمصة: أيتها السيدة! أوقدي النار أكثر، كي أنضج وأتحوّل إلى مرتبة أعلى وأسمى..
خذ هذه القصة يا أخي وتأمل فيها حصة من الزمن، وتامل كيف كان الإنسان في عالم الجسد ثم بدأ يدخل في عالم الروح، تأمل كيف سيتجرد من عالم الجسد، إنه الآن يتدرب على هذا التجرد، فهو، وإن كان يعيش في الجسد، كنه سوف يتحرر منه، وسوف لن يتراجع إلى الوراء، سوف يتحرر من قانون الجسد ليدخل إلى قانون الروح، هذا ما فعله ابن آدم ليثبت قدرة الخالق فيه.
لقد دشن قانون الروح؛ قانون المعرفة، نعم إنه أكل من شجرة المعرفة، وتطلع إلى الخلود، « وقد وُضع على طريق شجرة الحياة لهيب سيف متقلب ».