د. عبد الحميد أبو سليمان تحية لك

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

قرأت في العدد (17) صيف 1999 في مجلة أسلمة المعرفة التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي تقريراً عن ندوة "العنف في الإسلام بين المبدأ والخيار"، من أن محاضرة د. عبد الحميد تركز على أهمية الموضوع، وخاصة في المرحلة الراهنة، وأكد على ضرورة التفريق بين العنف السياسي داخل المجتمع الواحد و العنف بين مجتمعات مختلفة … وبالرجوع الى سيرة الرسول (ص) وجد المحاضر أنه لا ينبغي استعمال العنف لحل المشكلات السياسية في المجتمع الواحد مهما كان الأمر، لقد منع الرسول الصحابة منعاً باتاً من استعمال أي شكل من أشكال العنف في المرحلة المكية وعياً منه (ص) بسلبيات العنف وما يتمخض عنه داخل المجتمع الواحد، ووعياً منه بعدم جدوى العنف في تلك المرحلة … أما في مرحلة المدنية فقد استعمل رسول الله (ص) كل أشكال وأنواع العنف بما فيها الاغتيالات السياسية مثل مما حدث لكعب بن الأشرف أحد زعماء اليهود، وذكر المحاضر تحول روما الى النصرانية وثورة إيران وحرب الخليج بين العراق وإيران والعنف الجزائري الحاضر … من خلال هذه الأمثلة وغيرها وصل المحاضر الى قناعة هي أن عدم استعمال العنف داخل المجتمع الواحد في الإسلام قضية مبدأ وليست قضية خيار. فهي قضية إلزامية، ودعا المحاضر الى ضرورة تطبيق الشورى كحل أوحد لا ثاني له لكل الخلافات والصراعات السياسية داخل الأمة الإسلامية.

نقلت ما سبق من التقرير عن الندوة ثم أشار التقرير عن ثمان مداخلات كانت المداخلة الرابعة هي الوحيدة التي وافقت وأيدت المحاضر والمداخلات الأخرى كلها كانت متشككة وغير قادرة على اتخاذ موقف صارم كما كان يريد المحاضر وكانت الأمور مختلطة لديهم: المداخلة الأولى: كانت تسأل عن تعريف الأمة التي سماها المحاضر المجتمع الواحد واعتبرت العنف في الجزائر حقاً مشروعاً للدفاع عن اختيارات الشعب الجزائري المسلم.

المداخلة الثانية: أن موضوع العنف بين المسلمين غاب في المحاضرة وأن الإسلام ينظم استعمال القوة حتى داخل المجتمع الواحد أو حتى على صعيد أصغر، ضد الشعب أو الرعية.

والثالثة: إن أفكار هذه المحاضر إن كان كرجل سياسة فأنا أوافقه على الكثير فهو في حاجة الى استخدام الدبلوماسية، أما كعالم سياسة أو مؤرخ كان ينبغي أن يكون أكثر دقة، وأن مصطلح العنف غريب عن القرآن وعن اللغة العربية الخ

والرابعة: هي التي وافقت المحاضر وتمنى أن تنتشر وتوضح أكثر وأكد على عدم وجود أي مشروعية لذلك مهما كانت الظروف موافقاً بذلك المحاضر.

والخامسة: استشهاده بالدستور الأمريكي بحق الشعب في تأسيس مليشيات إذا صارت الدولة غير شرعية وإذا كان لا يجوز لمسلم أن يقتل مسلماً مهما كانت الظروف فما الداعي لمثل هذه المناقشات ويرى أنه إذا صارت الحكومة غير شرعية فلا بد للمجتمع أن يثور ضدها، وابن خلدون من الذين قالوا بإمكانية استعمال العنف من طرف الدولة ضد فئات دون الحديث عن شرعية الدولة.

والمداخلة السادسة: اعتمدت على حديث تغيير المنكر باليد وحديث الأخذ على يد الظالم وأخذه على الحق وتساءل كيف يمكن تغيير النظام عندما يكون ظالماً وغير شرعي؟ وحيثما وجد الظلم لابد أن يتواجد الجهاد. والسابعة: اعترض على استخدام انتقائي لبعض الآيات والأحاديث تحت عنوان صراع الحضارات وهي تتعلق بصراع الأديان وليس الحضارات.

والمداخلة الأخيرة: الأديان جاءت لضبط العنف لا لتصنيف العنف.

وعقب المحاضر موضحاً بعض الأفكار وأن الدرس الأساسي الذي نستلهمه مما سبق هو أنه لا يصح استخدام العنف داخل كيان المجتمع الواحد مهما كانت الأحوال بغية تحقيق أهداف سياسية وأن الإصلاح في هذه الحالة لا يتم السعي إليه إلا بالأساليب السياسية المدنية، وإن صبر الفئات المظلومة مجلبة لتضامن الأمة ضد المعتدي الباغي. هكذا انتهى التقرير عن الندوة.

شكراً لـ د. عبد الحميد رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي يسرنا أن يكون رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي على هذا الفهم لمشكلة العنف وشكراً لكل الأجناد المجهولين الذين يكافحون في تبيين الأفكار وتبليغها وإيقاظ الأمة الى أهميتها، هذا التوجه الى نور الله الذي سيتم مهما كره الكارهون وتشكك المتشككون، طبعاً هذه المحاضرة إعلان عن مبدأ، ومن كثرة وطول معايشتي لهذا الموضوع شعرت بالواجب على أن أشكر وأؤيد وأدعم ونشد من عضد الـ د. عبد الحميد الذي أخذ الكتاب بقوة في الدخول بقوة الى ملة الأنبياء، مع الأسف الشديد إن قادة الفكر الإسلامي، هذا الموضوع ليس واضحاً لديهم، وكل الحركات الإسلامية وقادتها يتركون العنف عجزاً لا إيماناً وتربصاً لتهيئة القوة العنفية لا دخولاً إلى ملة اللاإكراه، وهذا الموضوع ينبغي أن يكون الشغل الشاغل لنا لأننا ما لم نحل هذه المشكلة فلن تحل مشكلة العالم الإسلامي بأجمعه، إن هذا الموضوع هو موضوع التوحيد والشرك وموضوع اللاإكراه في الدين والإكراه في الدين وموضوع الاعتراف بعقل الإنسان بجوهر الفهم عند الإنسان وإلغاء الإنسان وإلغاء قواه الواعية التي على أساسها أستخلف الإنسان في الأرض وأن موضوع العنف والإكراه هو الكفر بالروح الذي نفخ الله في الإنسان وبالقرآن الذي هو الروح أوحينا إليك روحاً من أمرنا، وأن البشرية بعد أن شبعت من العنف اضطر أن يخرج من العنف في المجتمع الواحد حسب مصطلح د. عبد الحميد وهذا ما حدث في الديمقراطيات. ونحن ننسى كثيراً ولا ننتبه أن الديمقراطية هي نبذ العنف في صنع السياسة من جميع الفرقاء في المجتمع الواحد، ومادام هناك من يؤمن بالعنف فلن تحل الديمقراطية في بلد يؤمن أهله بإمكان صنع الحكم بالعنف، وأن العنف هو الإكراه وهو وسيلة الإكراه ولا إكراه في الدين لأن الدين الذي يأتي بالإكراه ليس بدين وكذلك الكفر الذي يفرض بالإكراه ليس بكفر، لهذا لما قال الله لاإكراه في الدين شرحها بـ"قد تبين الرشد من الغي" لأن الإكراه هو الغي واللاإكراه هو الرشد، لهذا سمي الخلفاء الذين جاؤوا بدون إكراه بالخلفاء الراشدين ولم يسموا بعد ذلك أحد من الحكام الذين جاؤوا بالإكراه راشداً، وهذا مَعْلَمٌ واضحٌ في فهم أن اللاإكراه هو اللاعنف، ولهذا كنت جعلت عنوان بعض مقالاتي اللاعنف هو اللاإكراه ونتابع أن لاإكراه في الدين بأنه الإيمان بالله والإكراه في الدين وفي السياسة هو الكفر والطاغوت، لهذا قال الله بعد "قد تبين الرشد من الغي" قال "فمن يكفر بالطاغوت" الذي هو الإكراه في الدين "ويؤمن بالله" الذي لاإكراه في دينه "فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها". وهذا هو التوحيد وهو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله باللاإكراه. والشرك هو الطاغوت والإيمان بالطاغوت بدل الكفر به والشرك بالله الذي قال بأن الشرك يحبط الأعمال كلها إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وقال الله "لقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكو نن من الخاسرين" هذا دين الأنبياء جميعاً وملتهم، هناك ملتان فقط مجتمعان فقط وأمتان فقط أمة الإكراه مهما تعددت أشكالها وأمة اللاإكراه مهما اختلف طرق تحقيقها فاللاإكراهيون يتحدون الآن في أوربا لأنهم حققوا اللاإكراه في الدين واللاإكراه في السياسة.

تحية للدكتور عبد الحميد علينا جميعاً الذين لا نؤمن بالعنف أن نتعاون ونتواصل فكل الذين لا يؤمنون بالإكراه في الدين وقتل الناس من أجل أفكارهم يمكن أن يكّون مجتمعاً واحداً مهما اختلفت أشكاله وألوانهم أما آن لنا أن نفهم ونتأمل. شكراً لك يا عبد الحميد إننا معك في إحياء فكرة الأنبياء جميعاً في صنع مجتمع اللاإكراه باللاإكراه، وإنك بدعوتك هذه تحيي دعوة الأنبياء جميعاً والآمرين بالقسط من الناس ولن يكون الإنسان مؤمناً بالقسط وداعياً إليه وهو يؤمن بصنع مجتمع اللاإكراه بالإكراه وسنظل ندعوا بكل قوة الى فهم الإنسان والتاريخ وأن نور الله في احترام روح الإنسان والقرآن الذي هو الروح للبشرية يا أيها الذين آمنوا يا عرب ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان فلندخل في السلم بيننا ونترك العنف فيما بيننا فستحل كل المشكلات من غير أن يخسر أحد شيئاً ويربح الجميع إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً‍‍‍‍‍‍‍.