تهمة الإرهاب
من Jawdat Said
تهمة الإرهابية وأوضاع المسلمين إزاءها
محتويات
الإرهاب
العاملون للإسلام، تعرضوا للمحن القاسية، وألصقت بهم التهم المختلفة، ومن أخطرها تهمة الإرهابية التي يلوح بها في مناسبة وغير مناسبة.
وهؤلاء الذين يقمعون الحركات الإسلامية، من المنتسبين إلى الإسلام ووراءهم شياطين الأنس، الذين يعرضون هذا الشيء الذي حدث إلى الرأي العام العالمي، بالصورة التي يريدونها هم، مع التفسيرات التي تناسبهم لإبقاء المسلمين في عقدهم.
فالعاملون للإسلام ينبغي أن يخرجوا من هذا الوضع المحزن ليواجهوا هذه الأحداث الخطيرة بتبصر.
ينبغي أن يكونوا واضحين وصريحين بأقوالهم وأفعالهم، بحيث يثبتون للناس جميعاً أنهم لا يتبنون أعمال العنف، وبحيث يقومون بواجب التبليغ الذي فرضه الله، ليقيم على أساسه هذا الدين الحنيف.
والدعاة بالنسبة إلى تهمة الإرهابية ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: من يرى مثل هذا العمل
1- قسم يرى لنفسه أنه لا مانع أن يقوم بأعمال العنف أو أنه يراها واجبة عليه.
وهذا الصنف من الناس، يمكن قمعه بكل قوة وشدة، وبكل تبجح وادعاء للإسلام، واتِّهامهم بأنهم خوارج وإرهابيون، بل وسيجدون العون من المسلمين التقليدين، وتكون المعركة بذلك ضارية ومؤذية ومؤلمة حقاً.
الصنف الثاني:من لا يرى العنف ولكن يمكن أن يلصق به ذلك
2- وصنف آخر من المسلمين لا يرون القيام بهذه الأعمال، أو أنهم على الأقل لا يرونها في الوضع الراهن، ولكن ليس لديهم الجرأة أن يعلنوا بأنهم يتبنون العمل السلمي، والدعوة إلى الله دون استخدام القوة.
وهذا الصنف من الناس، وإن كان لا يقوم بشيء من أعمال العنف، إلا أنه لم يهيئ الجو الطاهر النقي، الذي يبعد التهمة لمن يريد أن يبطش به أراد الاتهام، فإن مثل هذه الأمور ينبغي أن يعمل حسابها، ويتأكد من الصلات بالعاملين للإسلام، وأنهم ليسوا معرضين لعدوى أمراض العنف. لأن طريقة الصداقة على البساطة في مثل تلك الأجواء، الحاملة لقابلية العدوى، تجعل الأمور بعضها ملتبساً ببعض. فلا يصعب على الذي يريد الاتهام، أن يلصق التهم بأمثال هؤلاء الطيبين، أصحاب النيات السليمة، الذين لا يدركون وجوب تطهير جو المعركة من مثل هذه الأشراك الخداعية، التي يمكن أن يعلق بها الإنسان ويصاب من جرائها بالأضرار الجسيمة.
الصنف الثالث:من لا يرى العنف ولا يمكن أن تلتصق به التهم
3- هذا الصنف من الدعاة هم الذين لا يحملون أفكار الصنف الأول، ولا هم في غموض الصنف الثاني وبساطتهم.
وإنما هم الذين عرفوا هذه الأشياء، وكونوا لأنفسهم تاريخاً، بحيث إن مثل هذه التهم لا يمكن أن تلتصق بهم، بل ترتد على من يحاول الاتهام بها، كما كان جو المسلمين يوم كانوا ينشئون المجتمع الإسلامي صافياً نقياً، بحيث لا يستطيع أحد أن يتهمهم بمثل هذه التهم وقد سبق بحث شيء من هذا فيما مضى.
ولكن تكوين مثل هذا التراث، ومثل هذا التاريخ، ومثل هذا الجو النقي صار صعباً، وبحاجة إلى أحداث ومُثُل، تُثبت للناس النزاهة والشجاعة في إعلان المبدأ، وتحمل التبعات.
ومع ذلك، لابد من نشر هذه الأفكار بالبيان القولي والعملي، للدخول إلى الصراع مع الباطل من جديد.
وقد يظن أن تبني مثل هذه الفكرة إنما يتم لأجل التَّستُر بها، وقد يُرتاب فيمن يتبناها، وقد لا يصدق، لثقل وطأة العوامل الفكرية المسيطرة على الناس على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم.
ولا أرى في العالم الإسلامي شيئاً واضحاً حول هذا الموضوع، وإن كان هناك من جرؤا أن يتكلم بصراحة في الموضوع فهو الأستاذ (أبو الأعلى المودودي)، فهو أجرأ من رأيت، وأشجع رجل استطاع أن يظهر رأيه بوضوح، من غير أن يشعر بمركب النقص الذي يشعر به الآخرون، حيث يظنون أنهم يفرطون في دينهم إن قبلوا مثل هذا المبدأ، أو دعوا المسلمين إليه.
ولا يجوز أن نعتبر بعض الدعوات مهما اتسع نطاقها، أنها من هذا الصنف الأخير، وقد لا تصدق التهمة عليهم، ولكن أمثال هؤلاء لعدم فعاليتهم في الدعوة، لا يشعر الآخرون بضرورة توجيه مثل هذه التهم إليهم للقضاء عليهم.
وخلاصة أفكار هذا الفصل:
أن الناس بالنسبة إلى أية تهمة ليسوا سواء، فمنهم من هم جديرون بالتهمة بشهادة أحوالهم، ومنهم من لا محل لأن توجه إليهم التهمة.
والمسلم الداعي ينبغي أن لا يكون في غفلة من وزن هذه الأمور بموازينها، وأن لا يترك في ايدي الآخرين حجة للاتهام غير تهمة إيمانه بالله، وكفره بالطاغوت. والمسلمون الآن بين:
1- متربص مداهن لكل وضع، يرى الحكمة وفصل الخطاب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذه الطريقة.
3- وصنف يريد أن يعتز بالحق لا يتربص ولا يداهن، ولكن هذا الصنف لم يثبت بعد على قدميه.
4- ويمكن أن نقول إن هناك صنفاً متردداً، لم يتبين له شيء، فهو حائر قلق مضطرب، لم يستطع تفسير الأحداث المؤلمة التي أخرجته من ميدان العمل، كما أنه لم يطمئن إلى أن يسكن وينسحب من الميدان، لذا فهو في صراع. فإن لم يسارع المشرفون على التوجيه في العالم الإسلامي، ليخطوا له طريقاً يخرجه من قلقه، ويدله على عمل يشعر به أنه يسيطر فيه على قضيته ويشعر بجدوى عمله، كان لابد للحيرة الطويلة أن تترك آثاراً سيئة لا تكف عن إبراز مضاعفاتها بأشكال مختلفة.