تحسين أسلوب الخطاب
من Jawdat Said
كيف نهذب لغتنا؟ كيف نلطف عباراتنا؟ كيف نغير ما بأنفسنا وقلوبنا؟ كيف نستعير من الطب لغته مع المريض؟ كيف يمكن أن نكشف أسلوباً يجعلنا لا نستهزئ بالمريض ولا نحتقره؟ كيف نخاطب المريض بغير لغة السّبّ والاحتقار والغمز والّلمز والهمز؟ ألا ما اشد الامتحان!!..
إن كنت متمكناً من فن العلاج، فإن تمكنك سيجعلك تبدع أساليب رائعة في العلاج. العلم يحتاج إلى وضوح ولا يحتاج إلى إكراه، ولكن في الناس من يلجأ إلى الإكراه بدل الوضوح.
لعلي أتمكن من الاعتراف بان أسلوبنا الذي نتعامل به مع من نسعى إلى هدايتهم والأخذ بأيديهم ومعافاتهم أسلوب مريض، إننا نلجأ إلى الإكراه، وإلى الأشياء المكروهة، والإيذاء الجسدي والتعذيب والقتل والكلمات المؤذية والألقاب المغيظة.
يمكن أن يكون أسلوبنا برداً وسلاماً، ويمكن أن يقدم الرحمة والهدوء والصبر والأناة. العلم ليس مكروهاً عند الناس، ولكن أساليبنا في عرضه هي التي تكون مكروهة أحياناً، فلنبذل جهودنا لعرض العلم عرضاً مبسطاً وسهلاً وميسراً، بدل أن نصب الغضب والغيظ واللم والعلو والاستعلاء والاستكبار على الجاهلين.
كيف يمكن أن نسوق العلم بأسلوب مبسط وسهل؟ كيف نمهد طريق العلم؟ كيف نيسر المعرفة؟
تحمّل يا أخي مواعظي وغلاظتي وغضبي، وقلة بضاعتي وسوء عرضي، وإكثاري من الكلمات والشكاوى والتحيرات والملامات التي أكتبها في هذه الصفحات، وقد كان عليّ أن آتيك بالأمثلة الواضحة الجلية التي يعرفها كل الناس ويعيشونها في المنزل والطريق والسهرة والصحوة.
كم هي الأمثلة التي نعيشها ونمارسها دون أن يكون لنا قدرة على إبصارها؟!! متى سنضع إشارات المرور على دروب أفكارنا وكلماتنا؟ متى سنمهد السبيل حتى لا يخطئ أحد منا الطريق إلى هدفه؟
إنني أعترف بالجهل والقصور وقلة البضاعة، وبأن الشيء القليل من العلم الذي حصلته جعلني أكشف العوالم التي تغيب عني، فاعذرني إذ أكتب بهذه الطريقة، لأنني لا اهدف من كتابتي إلا إلى أن أشعرك بأن في إمكانك أن تكشف ما جهلتُهُ، وتوضّح ما قصَّرتُ فيه وعجزتُ عن توضيحه، وتسوق الأمثلة الكثيرة القريبة والمفهومة لتجعلها تتألق وتضيء.
إن هذا ممكن، هذا ما وصلت إليه، وهذا ما ينبغي أن أبلغه لك وأبثه إليك أيها القارئ العنيد، أيها القارئ الذي لم يفقد بعد السعي إلى المزيد من الفهم. إنك لا تزال تسأل، لم تفقد ميزة الطفولة، والذي يسأل ينتظر أن يسمع جواباً على بلابل قلبه ولواعج فؤاده وما يقلق صدره.