بين الرشد والغي
من Jawdat Said
هل يمكن أن نفهم مصير (لا إله إلا الله)، ومصير (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، مصير الرشد والغي بعد آية الكرسي؟
ما معنى (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) وكيف مفهم الرشد والغي في وقائع التاريخ؟
هل يمكن أن نجد في (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) الرشد من الغي؟
ينبغي ألا نبتعد في فهم الرشد من الغي، فهو قريب جداً، الرشد من الغي في (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، الإكراه في الدين هو الغي، واللاإكراه ف الدين هو الرشد.
فلنتأمل في (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ولنتأمل في معنى الإكراه والكراهية، كيف ومتى يتحقق الإكراه وما طبيعته؟ ما هو الدين وما المراد به؟ هل هو خاص بدين معين أم بالأديان كلها؟ إن فهم ذلك يرجع إلى الإنسان الذي هو موضوع الإكراه، فالإنسان هو الذي يقع منه الإكراه، وهو الذي يقع عليه الإكراه، وعليه يظهر مقدار هذا الإكراه ودرجته وأدواته.
هذا الموضوع جدير حقاً بالبحث النفسي والتاريخي، ومن الأهمية بمكان استحضار كل ما قيل في الإكراه من قبل المسلمين وغير المسلمين، لمعرفة بذرة الإكراه، والكيفية التي تظهر فيها، والكيفية التي تبذر فيها، وكيفية نموها إلى أن تثمر، ولمعرفة ما تثمر، ومن الذي يزرع الإكراه، ومن الذي يحصد ثماره، وما هي أحوال الفاعلين للإكراه والمفعول بهم والمفعولين له.
أين الرشد من الغي؟!!
كم هو موضوع خصب وشيق؟! وكم هو مفيد أن يكون مثل هذا الموضوع محلّ دراسة موسعة وموثقة بالآراء والوقائع؟
ما هو سبب نزول آية اللاإكراه؟ وما مقدار ارتباط القاعدة العامة بهذه الحادثة؟ وهل القاعد ة أوسع من الحدث؟ وما عدد ونوع الأحداث التي تتسع لها القاعدة؟
أريد أن أفتح شهية الشباب للدارسة، ولا أريد أن أقدم لهم دراسة، وليس في استطاعتي أن أقدم ذلك، ويكفيني أن أبصر ما يمكن حلاً لمشكلة الإنسان، ومشكلة ما بنفسه، ومشكلة تغيير ما بهذه النفس.
لقد فُرّغت هذه الآية من أهدافها وأعماقها، وشاع لدى كثير من المسلمين أنها منسوخة بآية السيف، ومهما كانت أقوال هؤلاء الناسخين، وأياً كانوا: فإن أقوالهم وتفسيراتهم ليس لها من القوة والفعالية ما يؤثر بشكل جدي في مسيرة وأحداث التاريخ.
عن ثقافتنا بحاجة إلى تجلية وتصفية، لتعود الأمور إلى نصابها، لأن مشكلاتنا متراكمة، وكلما رفعنا طبقة ظهرت طبقات، وكلما أبرزنا مشكلة برزت مشكلات أخرى.
دعنا نبحث الرشد قليلاً!!..
دعنا نتبين الرشد وندقق فيه!!.. هل تبين الرشد من الغي في آية: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)؟
إنني أرى أنه تبين، والذي يتمكن من تصديق هذا هو الذي عرف تاريخ الإنسان وطبيعته، وعرف الصلاح والفساد في المجتمع البشري.
إن طبيعة الإنسان هي التي ستكشف أنّ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) هو الصلاح والرشد، وان الإكراه في الدين هو الغي والفساد. والذي سيكشف طبيعة الإنسان هو التاريخ، هو نمو الإنسان، وما يحدث له من نمو وتقدم مع تقلب الأيام، وصلاح الإنسان وفساده مسجل في تاريخ الأيام.
ذاك هو المرجع، ومن خلال التأمل في التاريخ سنرى أسباب وسنن الصلاح والفساد.
لقد فهم المسلمون من آية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أن أهل الكتاب لا يجبرون على الدخول في الإسلام، وأن لهم الحق بأن يبقوا على دينهم، هذا ما فهمه جلُّ المسلمين من هذه الآية، ولكن هل يتوقف الرشد عند هذا الحد فقط، أم أن الرشد يعني أن صلاح الإنسان وفساده متعلق بـ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وأن أكثر صلاح الإنسان إنما يكون حين يرفع الإكراه عنه، سواء أكان هذا الإكراه شعورياً أو لاشعورياً.