بلال وتغيير ما بالأنفس
من Jawdat Said
أيكون اكتشاف الأسلوب الذي به تم تحويل بلال وتغييره؛ سبيهاً إلى باكتشاف النار؟ كيف اكتشف الناس النار؟
كانت النار توقد تلقائياً في الطبيعة، ثم بدأ الإنسان ينتبه إلى اشتعال النار، ثم تعلموا إشعالها، ولكن كم استغرق الإنسان من الوقت حتى تعلم إيقاد النار؟ هل نستطيع أن نتأمل هذا الأمر؟
هل كان ظهور بلال، كالاشتعال التلقائي للنار، أم أنه كان تحولاً من الإيقاد التلقائي إلى الإيقاد الصناعي؟ما شان الكهرباء؟ كيف كانت ظواهر الكهرباء في الطبيعة؟ كيف كان الإمساك بها صعباً؟ كم من الوقت الطويل احتاج اكتشاف الكهرباء وتسخيرها؟
هل نستطيع أن نقلص زمن التحويل والتغير والتربية؟ ما هي الجهود التي ينبغي أن نبذلها لتحويل الإنسان؟
أمامنا تعرض نماذج من التحويل والاختزال التلقائيين، فالطفل الذي كان يولد قبل عشرة آلاف عام، مثل الطفل الذي يولد الآن، وما يتعلمه خلال السنوات الخمس الأولى من حياته تلقائياً، هو اختزال لجهود الناس خلال عشرة آلاف عام، إنه يمتص خبرات ومعلومات السابقين خلال خمسة أعوام. هذا من ناحية اختزال التربية التلقائية، وتحويل الطفل في الصغر بحيث يحتوي تجربة عشرة آلاف عام. ولكنّ قصة بلال لم تبدأ من الطفولة، بل هي عملية تحويلية أعقد وأصعب، ومع ذلك فهي عملية ليست خارقة.
هذا ما ينبغي أن نراقبه ونكشف سنته وآليته، إنه تغيير لما بالأنفس، وباستطاعتنا أن نضيئه ونضيء احتمالاته، ونزيد أو نخفض هذه الاحتمالات، وهذا معنى قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الجاثية: 45/13.
هل لي أن أدعي كشفت أموراً، واقتربت خطوات، وتقدمت مسافات في هذا الطريق؟
يقول إقبال:
ما فشى ذا السر غيري في البشر لم يثقِّب ناظم مثلي الدُّرر
كانت النار قديماً تشتعل تلقائياً، دون أن يعرف البشر سنتها، ولكن للنار سنة يمكن الإمساك بها، وإذا أمسكناها استطعنا تكرارها كلما أردنا.
كيف سأنقل إليك ما يداعب خيالي؟ كيف سأجعلك تصاب بالعدوى، عدوى العافية، عدوى الصحة؟ إن العدوى إنما تكون من طرف واحد، ولكن حيث لا يمكن أن يصاب المريض بعدوى الصحيح؛ لا يمكن جعل الصحة عدوى في الأمراض الجسدية، أما قانون الصحة النفسية؛ فهو قابل لتحقيق العدوى، لأن قانون الأنفس ساري المفعول في الاتجاهين: فالصحة النفسية تعدي، والمرض النفسي يعدي أيضاً. القانون الجسدي يسير باتجاه واحد والقانون النفسي الفكري يسير باتجاهين.