الكفر الدنيوي والكفر الأخروي
من Jawdat Said
إن لقوم يونس شأناً في التاريخ البشري، وقد قلنا: إن توينبي لم يكن متفائلاً من إمكان دفع عذاب الله عن الأمم، ولكنني متفائل من ذلك، متفائل أولاً من أن علم الله سيتحقق، وأن نور الله الذي يتألق خلال ظلمات التاريخ لا يمكن إطفاؤه، مهما كان هناك من يريد أن يطفئ نور الله، فغن نور الله في التاريخ لن ينطفئ.
إنني أراه في الواقع، ليس إيماناً بالغيب، بل إيمانٌ بالشهادة، لأنه صار شهادة، والتاريخ شاهد على ذلك مهما كثر الذين يجهلونه، ومهما زينوا تشاؤمهم. مهما ذكروا السيئات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وفهم القرآن للتاريخ فهم تفاؤلي ليس تشاؤمياً، ولا عدمياً، ولا سوفسطائياً.
إن مرض العدميَّة والتشاؤم هو الذي يولد اليأس والزيغ والكفر، وكلمة الكفر كلمة مشحونة بالمعاني الغيبية، ولا حرج أن يكون لكلمة الكفر معنى غيبياً، ولكن لها معنى أرضياً أيضاً، فللكفر واقع اجتماعي دنيوي، فمثل عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، هناك كفر الدنيا وكفر الآخرة، والفلاّح كافر، لأنه يغطي البذور في الترب، ويغطي التربة بالزرع، وكما أن هناك جنات دنيوية وأخروية، هناك كفرات دنيوية وأخرى أخروية، أي مزارع، والكفر هو المزرعة، وكل الذين يسيرون ويخفون أشياء، فلا يعود الناس يرونها، هم الكفار، والمكان الذي يعملون فيه ذلك هو الكفر والجنة والبستان والمزرعة …
إن الكفر الدنيوي هو الوقوع في الالتباس، وينبغي ألا يُحمل على الكفر الديني الذي يعني إنكار الدين والتكذيب به، ونحن عبر التاريخ شحنا كلمة الكفر بشحنات متفجرة هائلة، إلى درجة أن الكفر صار في العالم الإسلامي رديفاً للإعدام، وتحولت كلمة كافر التي تستخدم للضرورة، إلى كلمة تعني وجوب قتل من تُطلق عليه، خاصة حين تطلق على مسلم، عند ذلك فإن كل من يتمكن من قتله يكون بهذا العمل متقرباً إلى الله!!..
متى سيتعلم المسلمون من القرآن أن الكفر ليس سبباً لجواز القتل، وجواز أو وجوب الجهاد القتالي؟
متى سنخرج من الحروب الكلامية اللفظية التي تسبب لنا حروباً مثل حرْبَي الخليج؟ حيث كان كل طرف يتهم الآخر بالكفر، ودفعاً لهذه التهمة كانوا يرفعون الرايات، رايات القرآن، رايات (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، و(الله أكبر).
متى سنحل هذه المشكلة العويصة؟!.