الفصل السابع: مذهب الرشد، مذهب ابن آدم والأنبياء
من Jawdat Said
كتب جودت سعيد انقر هنا لتحميل الكتاب |
مقدمة وتمهيد |
المقدمة |
تمهيد |
الفصول |
الفصل الأول: السلطة والمعرفة |
الفصل الثاني: الخوف من المعرفة |
الفصل الثالث: قراءتان للقرآن |
الفصل الرابع: الغيرية والجنون الأعظم |
الفصل الخامس: الإنسان والتاريخ |
الفصل السادس: في دلالات آية الوحدة الأوروبية |
الفصل السابع: مذهب الرشد، مذهب ابن آدم والأنبياء |
الحضارات وتحدي الهلاك
في آخر كتابه (دراسة التاريخ) تردد توينبي في تقرير هذا الاتجاه أو ذاك، وواجه الموضوع، ولكن التاريخ لم يسعفه، بمن تمكن من الاستجابة الناجحة للتحدي.
لقد قرأت ما كتبه توينبي في هذا الموضوع، بشغف ويقظة، وكنت أضع يدي على قلبي، وأقلّب بصري ونظري، فالقرآن يكاد يوحي، لمن لا يدقق النظر، بأن الهلاك حتمي، وأن الحضارات زائلة.
وأرنولد توينبي تمنّى للحضارة المسيحيَّة أن تتمكن من الاستجابة للتحدي، ولكن كلامه كان يُظهر أنه غير متفائل في أمنيته هذه.
وإذا كان ابن خلدون قد كشف قانون الدولة، وسنّة ولا دتها ونموها، ثم تراخيها وفنائها، فإن آرنولد توينبي كشف قانون الحضارات، في بدئها ونموها واستطالتها، ثم انهيارها، ثم تحللها، ولكنه لم ينتبه إلى حركة أخرى في التاريخ، هي حركة النبوة التي صحبت البشرية من عهد آدم، واستمرت وترسخت، إلى درجة أنها صارت قانوناً يمكن للبشر لأن يتابعوه بوضوح، وإذا كان توينبي قد تمكن، وبفضل فاوست، من كشف قانون التحدي في الحضارات، فإنني، وبفضل القرآن ومراقبة التاريخ، تنبهت إلى دورة غير دورة الدولة، وغير دورة الحضارة.
الدورة التي تنبهت إليها، ليست مثل دورة ابن خلدون، لا تقدر بأربعة أجيال، أي نحو (120-150) سنة، وليست مثل دورة الحضارة التي وضعها توينبي، والتي يمكن أن تعيش آلافاً قليلة من السنين، أو تتجمد قبل اكتمالها: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) الحج: 22/6، إلى الفناء، مثل الحضارة الفرعونية، حضارة وادي النيل، وحضارات دجلة والفرات.
الحضارة التي تنبهت إليها ينبغي أن نبتكر لها اسماً جديداً، قد نقول: إنها كدح الإنسان، أو السعي الكادح، فالحضارات السابقة كانت محصورة باسم معين، حضارة كذا وكذا، ولكن علينا أن نضع لكدح الإنسان وسعيه المتواصل اسماً، لا يكون قومياً، ولا وطنياً، اسماً يستوعب الإنسانية، هذه هي حركة الإنسان الكدحية إلى الله: (يَا أَيُّهَا الإنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) الانشقاق: 84/6، بدأ هذا الكدح من قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) البقرة: 2/30، ونهايته تكون بتحقق علم الله الذي قال: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) البقرة: 2/30، وكم كرر القرآن مقولة: (وإليه المصير)، (وإليه ترجعون) …، وسيتحقق علم الله في هذا الإنسان: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يوسف: 12/21.