الفجر الجديد وكلمة السواء
من Jawdat Said
أريد أن أوقظ نفسي، وأطمع أيضاً في أن ألفت انتباه بعض من حولي، إلى حقيقة أن العالم يتقدم نحو فجر جديد قريب، فلنستيقظ ولنتجهز له قبل أن يباغتنا.
العالم الغربي يستعد لهذا الفجر بواسطة الدعوة إلى كلمة السواء بعد أن جرب كلمة البغي، وطالما كان البغي والغي قائدين له إلى الهلاك بترك سبيل الرشد بعد أن لاحت له ورآها: (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) الأعراف: 7/146، (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) الشورى: 42/14.
ما هو البغي؟ ما هو الغي؟ ما هو الكبر؟
سأحفر حول هذه الكلمات، لا ليس حول هذه الكلمات، بل حول معاني هذه الكلمات: البغي، الغي، الكبر.
الصوفية هم الذين كانوا يفكرون في الأحوال النفسية، والذين لا يدخلون إلى الأحوال النفسية؛ يقفون عند الرسوم، عند الصور، والله لا ينظر إلى صورنا، بل ينظر إلى ما في الصدور، إلى المحركات الأولى، إلى الطاقات والدوافع الكامنة، إلى الأضغان وما بالأنفس.
هل لديك شوق إلى رحلة في أحوال النفس الإنسانية؟
يذكر جلال الدين الرومي أن رومياً وفارسياً وعربياً وتركياً اجتمعوا، وكانوا جميعاً مصابين بفقد البصر، تصدق عليهم محسن بدينار، فاشتهوا العنب، ولكن اسم العنب مختلف في لغة كلٍ منهم، فتنازعوا نزاعاً شديداً، وكان كل واحد منهم يقول إنه يريد أن يشتري العنب بلغته، فيظن الآخرون أنه يريد أن يشتري شيئاً آخر، فأحدهم يقول: أريد رستافيل، والآخر يقول: لا، أنا أريد أزوم، وهكذا، فمر بهم رجل يعرف لغاتهم جميعاً، فقال لهم: أنا سآتي لكل واحد منكم بما يريد، فذهب واتى بالعنب، ووضع في يد كل واحد منهم عنباً، ففرح الجميع، وشعروا أنهم وصلوا إلى ما يريدون.
يقول الرومي: في هذه القصة حصة، في هذا الحدث معنى، وكل النكات المضحكة تحوي مغزىً عميقاً، وكشفاً لجهل الإنسان بطريق لطيف خفيف، بحيث لا يشعر بالغضب حين يكشف جهله، بل يضحك ويُسَرُّ.
في كل القصص المضحكة حكمة قريبة وبعيدة، وحتى الضحك ليس كلمة، وإن كانت الكلمة تحدث ضحكاً، والكلمة في ذاتها ليست هي التي تضحك، بل الأنفس هي التي تضحك، وكل نفس تضحك بحسب مستواها، فنفس تضحك حتى تنقلب على قفاها، من شيء قد لا يحرك من إنسانٍ آخر ساكناً.
ما هي الكوميديا؟ وما فلسفتها؟
هذا الفن يستخدم للتسلية والترويح عن النفوس فقط، مع أنه قابل لأن يستخدم لتغيير النفوس بالسرور والطرب والفرح.
هل سمعت أن الإنسان يبكي من شدة الفرح، من الضحك؟ نعم الإنسان يبكي من الفرح، والناس يقولون: دموع الفرح باردة، ودموع الحزن ساخنة، ودموع الآلام مأساوية، وأعتقد أن بإمكانك أن تأخذ من قصة الرومي حصة من الحكمة العميقة، ولكن من شدة قربها صارت مضحكة، وانقلبت إلى ضدها، وما ضحكنا منها إلا لوضوحها، ولم نستفد منها لغموضها أيضاً، ولم نستطع أن نجعل حياتنا كلها سروراً، أو على الأقل لم نستطع ألا نجعل حياتنا كلها آلاماً مستمرة ولدغاً متتالياً من الجحور نفسها.
لا حرج أن تحدث بعض اللدغات، لنعلم فضل الذين سبقونا، فلا نسخر منهم، لأننا على حسابهم حصلنا على سرور يزيد عن سرورهم، وآلام أقل من آلامهم، ولولاهم لظل بعضنا يأكل لحم بعض.