الزيغ والالتباس
من Jawdat Said
ما أشد ما التبست الأمور، وهي ليست صعبة ولا سهلة، ولكن علينا أن نفهم كيف يمكن أن يختلط الدنس بالمقدس، وكيف تشتبه التزكية بالتدسية، وكيف يعيش الناس على الالتباس والاشتباه.
إن القلوب المريضة، والتي فيها زيغ، هي التي تتبع ما تشابه منه، وكذلك القلوب التي فيها الإكراه والفتنة.
اكشف العلاقة بين الالتباس والاشتباه، وبين القلوب التي فيها زيغ، واقرأ مرّة أخرى، على نية جديدة وضوء جديد، على أشعة إكس قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ) آل عمران: 3/7.
كيف تشتبه الفتنة بالرشد؟ هل تبين الرشد من الغي أم التبس التباساً شديداً؟
حين أقول: منهج الأنبياء، وحركة النبوة، وكدح الإنسان، واتجاه التاريخ، وحين أقول: إن أوان الدين والنبوة لم يأتِ بعد، فذلك لن الناس ما يزالون لا يعرفون إلا دفع السيئة بسيئة مثلها أو أسوأ منها، أما: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فصلت: 41/34، و(لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) النمل: 27/46، وان هذه هي طريق تحويل العداوة والبغضاء إلى حب وولاية وأخوة حميمة، فهذه بضاعة لا يوجد عند الناس خبر عنها.
تفكّر في الكيفية التي يؤذي بها بعضنا بعضاً، والكيفية التي نزيل بها الآخر كله لا موقفه فقط، فنحن لا نفكر في الكيفية التي نحوّل بها العداوة إلى محبة، ولكننا نفكر ونحصر تفكيرنا في الكيفية التي نزيل بها العدوَّ بشخصه ووجوده.
فكر، ولو للحظة واحدة، كيف أن هذا الموضوع موطن اشتباه وضياع وتيه!!
(إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) سبأ: 34/46.
ليس هذا جنوناً … (فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) آل عمران: 3/7، ما هو الزيغ؟ ما هو الغي؟ ما هو البغي؟ ما هي الكراهية؟
الله تعالى يقول: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ) فصلت: 41/34، ولكننا نقول: لا بل تستوي الحسنة والسيئة، وأكثر من هذا نقول: إن أسلوب السيئة أفضل من أسلوب الحسنة.
أليس هذا زيغاً وضلالاً؟
إننا نظن أن الإكراه هو الرشد، والله يقول: الإكراه هو الغي: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) البقرة: 2/256.
حين يلتبس على الإنسان هذا الأمر؛ يكون قد بدأ بداية خاطئة، والاتجاه الخاطئ يقود إلى عالم مليء بالأخطاء.
لقد هجرنا الرشد منذ زمن بعيد، ولم تعد لدينا قدرة على إعادة النظر والتفكير، هجرنا الرشد، وقبلنا مقابلة الغي بالغي، وصرنا غياً يقتل غياً، والرشد غائب تماماً.
أريد أن أخاطب الناس وأقول لهم: أيها الناس! فلنُخرج الرشد من غيابه، ولنتعرف عليه، ولنبحث عن بعض سماته الأساسية.
الرشد هو الذي يأتي بدون إكراه، والغي هو الذي يأتي بالإكراه، وقد بقي هذا واضحاً جلياً، ولم يضِع خلال التاريخ كله، ولذلك علينا أن نفكر في الوسائل الكفيلة بإعادة الرشد إلى حياتنا.
سنعود إلى بحث هذا الموضوع مرّة أخرى، ولكن فلنعد الآن إلى آيات سورة يونس.