الدين والقانون، وحدة النبوات

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

الدين والقانون


Aldeenwalkanon.gif
تحميل الكتاب
المقدمة
أسس الدين والقانون من رؤية قرآنية
الإنسان في الدين والقرآن
وحدة النبوات
الرسل الذين لم يقصصهم الله علينا
العلماء ورثة الأنبياء
ختم النبوة
الخروج من الخوارق إلى السننية
ارتباط آيات الآفاق والأنفس بآيات الكتاب
كلمة السواء
لا إكراه في الدين
قانون النسخ
السلطة للجهاز العصبي
قصة آدم وزوجه
قصة ابني آدم
ما الدين وما القانون؟
السلام العالمي
شروط القتال في الإسلام
عصر الفتن


من المفيد في أول الأمر أن نعرض فكرة القرآن عن الأنبياء ، وأنهم على نموذج واحد ، وجاؤوا برسالة واحدة ، وان أمتهم واحدة ، ونذكر هنا فقرات من القرآن الكريم تدل على ذلك :

( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ] الأعراف : 7/59 [ .

( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ] الأعراف : 7/65 [ .

( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ] الأعراف : 7/73 [ .

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ] الأعراف : 7/85 [ .

( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) ] الأعراف : 7/101 [ .

( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) ] الأعراف : 7/103 [ .

وفي القرآن سورة اسمها سورة الأنبياء يقول فيها :

( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ) ] الأنبياء : 21/48 [ .

( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ) ] الأنبياء : 21/50-51 [ .

( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) ] الأنبياء : 21/72-73[ .

( وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) ] الأنبياء : 21/76 [ .

( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) ] الأنبياء : 21/78 [ .

( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ] الأنبياء : 21/83 [ .

( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ ) ] الأنبياء : 21/85 [ .

( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ) ] الأنبياء : 21/87 [ .

( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) ] الأنبياء : 21/89 [ .

( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ . وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (المراد مريم وابنها عيسى المسيح) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) ] الأنبياء : 21/90-93 [ .

هذه النصوص القرآنية تدل على أن عالم الأنبياء عالم واحد ، وجاؤوا برسالة ومفهوم واحد ، وأن أمتهم أمة واحدة ، وإن اختلفت هذه الأمة الواحدة بعد ذلك وتقطعوا أمرهم بينهم . وفي القرآن سورة اسمها سورة إبراهيم يذكر فيها قصة مجموعة من الأنبياء ويذكر القواسم المشتركة ووحدة الدعوة والهدف الذي يسعون إليه . يقول القرآن في هذه السورة ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) ] إبراهيم : 14/5 [ .

ويقول القرآن في السورة نفسها :

( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) ] إبراهيم : 14/9 [ .

والقرآن وإن يذكر حوار نبي معين مع قومه إلا أنه يجمع الرسل جميعاً ويُنطِقُهم بلسان واحد بجوهر دعوتهم فيقول :

(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ . قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ . وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ ) ] إبراهيم : 14/10-12 [ .

وكذلك يذكر القرآن سلسلة من الأنبياء :

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) ] المؤمنون : 23/23 [ .

فيذكر قصة نوح والطوفان ثم يقول :

( ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) ] المؤمنون : 23/31-32 [ .

ثم يقول أيضاً مؤكداً وحدة النبوات والرسالات والأمة النبوية :

(ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ ، مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ . ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ . ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ . إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنْ الْمُهْلَكِينَ . وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ . وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ . يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِي . فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) ] المؤمنون : 23/42-53[ .

هذه الآيات تدل بتكرار وإلحاح على وحدة الأنبياء ووحدة الرسالة ووحدة أمتهم ، وتذكر أيضاً كيف تقطعت هذه الأمة الواحدة وتمزقت ، وكيف أن هذه القطع الممزقة فرحون بما لديهم ولا يشعرون أن هذا التمزق بينهم دليل على أنهم فقدوا ما جاء به الأنبياء من توحيد الأمة ووحدة محتوى الرسالة .

وفي سورة الأنعام يذكر قصة إبراهيم وأنبياء كثيرين من بعده فيقول :

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ ) ] الأنعام : 6/74-75 [ ، ويتابع القرآن الحوار بين إبراهيم وقومه ثم يقول (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) ] الأنعام : 6/83-90 [ .

ويقول القرآن مؤكداً هذه الوحدة النبوية ووحدة الرسالة والأمة :

( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ . ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) ] يونس : 10/13-14 [ .

ثم يقول مبتدئاً بنوح :

( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ) ] يونس : 10/71 [ .

( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ) ] يونس : 10/74 [ .

وفي سورة هود يذكر نوحاً ويطيل في قصة نوح :

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) ] هود : 11/25-26 [ .

ثم يذكر قوم عاد فيقول :

( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ .. ) ] هود : 11/50 [ .

( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ] هود : 11/61 [ .

( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ .. ) ] هود : 11/84 [ .

ثم يذكر قصة موسى وفرعون :

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ ) ] هود : 11/96-97 [ .

( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) ] هود : 11/97 [ .

ثم يقول القرآن :

( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ) ] هود : 11/100 [ .

( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) ] هود : 11/101 [ .

( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) ] هود : 11/102 [ .

( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) ] هود : 11/103 [ .

الإيمان بجميع الأنبياء

وهكذا يعرض القرآن ظاهرة الأنبياء نموذجاً موحد فهم يشتركون بخصائص معينة لا يجوز أن نفرق بينهم ويمكن اكتشاف خصائصهم . فمن هذا الجانب يفرض القرآن على أتباعه أن يؤمنوا بجميع الأنبياء في آيات عديدة . فمثلاً يقول :

( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) ] البقرة : 2/285 [ .

( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ) ] البقرة : 2/136-137 [ .

ويقول أيضاً : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ] آل عمران : 3/84 [ .

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِيناً . وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً ] النساء : 4/150-152 [ .

الرسل الذين لم يقصصهم الله علينا

وفي القرآن ظاهرة أخرى فيما يتعلق بالأنبياء ، فبعد أن يذكر الأنبياء بالتعيين والأسماء يقول : إنَّ هناك أنبياء لم نذكرهم ، وبهذا يفتح القرآن الباب لإمكانية التعرف على أنبياء لم يذكروا في القرآن ويمكن التعرف عليهم بمعرفة خصائص النبوة والأنبياء ، وهذا مجال آخر من البحث لتحديد القواسم المشتركة بين الأنبياء لنتعرف على الذين يحملون مثل هذه الخصائص ، ويمكن أن أقول ربما سقراط يمكن أن يكون موضع دراسة فيما إذا كان يمكن ضمه إليهم بعد تحديد خصائص النبوة ، لما كان يتصف به سقراط من الصدق والأمانة والإصرار على تبليغ ما كان يشعر أنه مكلف بإشاعة ما أُلْهِمَهُ .

كما يمكن عرض أسماء آخرين ليكونوا موضع تأمل وقد يكون سقراط وإبكتوتس مرشحين للبحث فيهم . هذا من جانب الاعتراف بجميع الأنبياء من غير تفريق بينهم سواءً منهم من كان مذكوراً وفي هذا يقول القرآن :

( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً . وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً . رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ] النساء : 163-165 [ .

ويقول في هذا الموضوع أيضاً إنَّ الله لم يقص علينا جميع الأنبياء :

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) ] غافر : 40/78 [ .

والاعتراف برسل لم يرد ذكرهم في القرآن يفتح الباب لرسل تنطبق عليهم مواصفات الرسل ؛ حيث لا يحذف أحد من الرسل من الاعتراف بهم ، وهذا منهج وتصور يحذف العنصرية بين البشر ويعترف بكل الدعاة والداعين إلى العدل والإحسان ، فيكون هذا أسلوباً ناجحاً لجمع البشرية إلى كلمة سواء من غير أن نبخس مُصلحاً حقه ، ويضاف إلى هذا أن القرآن يعترف بأنه لا توجد أمة لا رسول لها ، وأن كل الأمم أُرسِلَ لها رسول فيقول :

( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً .. ) ] النحل : 16/36 [ .

( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) ] يونس : 10/47 [ .

( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) ] فاطر : 35/24 [ .

( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) ] النساء : 4/165 [ .

( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) ] الإسراء : 17/15 [ .

ويمكن أن نقول : إن الاعتراف بوجود رسل لم يرد ذكرهم في كتب الديانات التوحيدية في الفضاء الثقافي الذي أرسل فيه نوح وإبراهيم ، يفتح الباب للاعتراف برسل الثقافات الأخرى سواء في الشرق الأقصى ، أو في أفريقيا ، أو السكان الأصليين في القارة الجديدة . حيث إن الأمم الآن بدأت تبحث عن ثقافتها القديمة لتثبت وجودها وذاتيتها وهذا المنهج يضع البشرية على طريق التوحيد والاعتراف بالقواسم المشتركة بين الأمم ورسلها أيضاً ، وهذا الموقف قيمة إيجابية إنسانية للناس جميعاً على سبيل التعاون والتفاهم والاعتراف بهم مشاركين في المسيرة الإنسانية .

كثيراً ما أقول : إن تطلعات الأنبياء لمستقبل البشرية لم تأت إلى حياة البشر ، حيث كان مبدأ الأنبياء في أعلى مقاصدهم أن يكون تنافس البشر في فعل الخير ، وأن يكون الهدف هو هذا إذا رجعنا إلى الوراء لنكتشف الأسس التي تمكننا من القفز إلى الأمام مثلما يرجع الذي يريد أن يقفز إلى الوراء ليكون قفزه إلى الأمام أكثر قوة ، لا أن نرجع إلى الوراء لنبقى هناك . ووسائل الانتقال ينبغي أن تكون لها القدرة على العودة إلى الوراء لا للبقاء هناك ولكن للتكن من المناورة ليكون التقدم إلى الأمام فعالاً أكثر .

فإذا كان البشر لم تكن تتيسر لهم الطاقة إلى الأمام ، ويتراجعون ليحولوا التنافس في فعل الخير إلى تنافس في فعل الشر وتسابق إليه ، فإن هذا العجز ليس ميزة البشر وإنما القدرة على التجاوز ليستخدموا كل الإمكانات ، ليكون التجاوز أسرع وأقل كلفة وأحسن مردوداً . ولنتذكر ما عاناه الذين دعوا إلى أماكن متقدمة في أسلوب استخراج أفضل ما في الإنسان من إمكانيات ، فإذا السبل تكاد تكون مغلقة أمام أغلبية الناس ، فلنستخرج العبر من التاريخ ، من رواد الإبداع ليتحول الإنسان إلى أفضل ما أُبدع فيه من قدرات ، وفي هذا يقول القرآن لشد أزر المبدعين :

( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ . وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) ] هود : 11/120-122 [ .

ويقول القرآن ليثبت الرسل ودعاة الإصلاح فيما يواجهون من عقبات صعبة :

( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) ] يوسف : 12/110 [ .

وفي القرآن آيات كثيرة تدين التشاؤم ، وأن اليأس والقنوط ليسا من صفات المؤمنين وإنما من صفات غير المؤمنين فيقول :

( وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ) ] يوسف : 12/87 [ .

ويقول :

( قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إلاَّ الضَّالُّونَ ) ] الحجر : 15/55-56 ] .

إن تصور العالم أنه مسخر للإنسان وأن الإنسان قادر على حل مشكلات العالم نظرة تفاؤلية ، وقيمة حضارية ، تبعث على الجد ، وهو تصور قرآني ، وإن كان يغلب على الناس في مراحل تاريخية معينة روح التشاؤم ، يقول القرآن :

(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ] الجاثية : 45/13 [ .

هذه النظرة قرآنية ، وإن الإنسان ينبغي أن يجتهد ليعلم سنن الوجود ويتمكن من تسخيرها للصالح العام ، فإن لم يفعل ذلك ، عليه أن يعلم أن الكون بما فيه الإنسان قابل لتسخيره للخير ، فإن لم يفعل ذلك فالأمر لا يرجع إلى الكون ، إنه غير قابل للتسخير بل إلى الإنسان الذي عليه أن يستخرج أو يستخدم القوى الكامنة فيه للتسخير .