الدليل الذهني والدليل الواقعي
من Jawdat Said
إن مجرد تغيير مكان الدليل من الذهن إلى الواقع، من أكبر التغييرات التي حصلت والتي يمكن أن تحصل، إنه تغيير لما بالأنفس، تغيير للفهم، للصور الذهنية، وليس تغييراً لقوانين الله وسنن الكون والتاريخ، ليس تغييراً لسُنَّة: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس: 91/7-10.
ليس تغييراً للقوانين والسنن، لأنها لا تتغير ولا تتبدل: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) فاطر: 3/43. نحن نستطيع أن نسخر السنن حين نفهمها، والتمكن من التسخير دليل على صحة الفهم. العاقبة النافعة دليل على صحة العلم والعقل والفهم، وعلى صحة فهمنا لله والرسول والكتاب والكون، بل إن الصور الذهنية كلها قابلة لأن تكون خاطئة، وإذا حدث الاشتباه بين اليقين الدوغمائي (التقليدي) وبين اليقين التسخيري، فهذا ليس عيباً في اليقين، بل هو عيب في الأسلوب الذي فهمنا به اليقين.
لا يوجد علم، ولا فهم، ولا يقين غير قابل للزيادة: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) طه: 20/114، والقرآن يستعمل كلمات: اليقين والشك والريب والعلم بأساليب مختلفة، فالعلم يقابل الظن والهوى، والكلمات ليست هي التي تدل على معناها، بل المعاني هي التي تدل على الكلمات، الدليل ليس في الذهن، الدليل في الواقع، في الآفاق، في الأنفس، وما بالأنفس يختلف عن النفس اختلاف الشراب عن الكأس.
كيف نصحح العلاقة؟ كيف نمنع الاشتباه؟ كيف نصحح حركة الشمس: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ، تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ، قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ، مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ، أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأوَّلِينَ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ، أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ، بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ، وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ والأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ، أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنْ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ، وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ، حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلً مَا تَشْكُرُونَ) المؤمنون: 64-78.
ينبغي أن نجدد فهم معاني الكلمات، مثلاً: ما المعنى الأدق للكلمات التالية: اخذ الله بالعذاب، المترفين، تجأروا؟
كانت هناك علاقات يمكن تأملها، ولكن كنا ننكص على أعقابنا، وكنا نتكبر عن إعادة النظر، والذي يحدث لنا هو ما حدث لآباءنا الأولين، ونحن نسير على ما ساروا عليه.
إننا لن نعرف الرسول ولم نفهمه، وأنكرنا أن يكون الحل ما جاء به، وهذا لا يعني أننا لم نعد نتحدث عنه، ونزعم أننا أتباعه، ونعظمه، ولكننا نحس في أعماقنا أننا لا نتبعه ولا نعقل ما أمرنا به.
إنني أشك في صحة فهمنا، ولو كشفنا ما بأنفسنا من الظن والوهم، لغرفنا أننا أضعنا ما جاء به رسولنا، ولعرفنا أن ما بأنفسنا من الظن ليس هو ما جاء به رسولنا.