التكبر والانصراف عن آيات الله
من Jawdat Said
تُرى هل استطعت، بهذه الجعجعة من الكلمات، أن أنبّه إلى شيء جديد، ولو للحظات قليلة؟ هل استطعت أن أنبه إلى إمكان إزالة الالتباس، وإلى وجود أسباب تجعلنا قادرين على سلوك سبيل الرشد والرشاد؟
سأكتب كلمات الآية على ضوء هذه المحاولة، لنتبين كيف يكون سلوك سبيل الرشد صعباً أو مستحيلاً: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) الأعراف: 7/146.
ما هو الحاجز الأكبر الذي يحول بين الإنسان وبين الاستفادة من آيات الله؟
كان الله تعالى يقول لنا هنا: إن الحاجز الأكبر الذي يحجز الناس عن الرؤية هو التكبر في الأرض بغير الحق.
ما هو التكبر؟ هل التكبر حالة قابلة للفهم؟
كأن هذه الآية تعلق كل أنواع الضلالات على قدم قبول الإنسان الأدلة وإن رآها، وعدم سلوك سبيل الرشد وإن رآه، وسلوكه سبيل الغي إذا رآهُ.
إن الآية تذكر مشكلة كبيرة هي مشكلة التكبر، فهل بالإمكان تحليل التكبر؟ لمعرفة الكيفية التي يولد فيها، والكيفية التي يعيش فيها، وكيفية تصرفه.
إننا نقارب الإمساك بالأفكار ثم تفلت منا، إنها تقترب من الوضوح في بعض اللحظات، لكنها سرعان ما تغيب في ظلمات الضباب والدخان.
كيف نتعلق بلحظة الوضوح؟ كيف نمسك بالضياء؟ كيف نجعل الشمس لا تغيب؟
يقال إن أينشتاين كان يحلم بأن يركب الضوء، ويتخيل ماذا سيحدث لو ركب الضوء وانتقل بسرعة الضوء، فهل يمكن لنا أن نحلم بأن نمسك بطرف الخيط لنقبض على شيء ما؟
هل يمكن لنا أن نتبين الرشد من الغي؟
لقد كانت وسيلة الانتقال من حكم شخص إلى شخص آخر، في العالم كله، هي الوراثة أو الاغتصاب بالقوة، وهي الآن وسيلة انتقال السلطة في البلاد الإسلامية، لكن الناس في العالم أوجدوا أساليب ووسائل وسبلاً لنقل السلطة غير الوراثة، وغير الاغتصاب بالقوة، لقد أوجدوا أسلوباً جديداً لا تراق معه الدماء ولا تُزهق الأنفس، فكيف صار هذا الأسلوب ممكناً؟ هل نزل عليهم من السماء، أم أنه نبت في الأرض؟ هل أحدث الله هذا الأسلوب، أم أن البشر هم الذين أحدثوه، أم أن لكل من الله والبشر ما يعود إليه في إحداث هذا الأسلوب؟ ما الذي يرجع منه إلى الله، وما الذي يرجع إلى البشر؟
هل هذه النقطة مضاءة، بحيث يمكن التأمل فيها والانطلاق منها؟ أهي نقطة شديدة الالتباس أم أنها قليلة الالتباس؟
هل هذا الأسلوب في انتقال السلطة، والذي ولد في العالم حديثاً، أقرب إلى الرشد؟ هل مرّت رياح هذا الأسلوب في العالم الإسلامي، في يوم من الأيام؟ هل في ذاكرة المسلمين شيء من هذا الأسلوب؟ بحيث يمكن الرجوع إليه على أنه ليس بدعة، وليس هرطقة، وليس كفراً بواحاً، وأنه كان بينهم، وأحسوا به سابقاً، ودخل إلى حدٍ ما إلى ديارهم، ثم غادرها مأسوفاً عليه، مودّعاً بالدموع والدماء، وغاب عنهم غيبة طويلة، واختفى في سرداب طويل جداً.
لكأنني، ومن غير أن أشعر، أدخل في السِّرداب المظلم!! مع أنني أريد الضياء، أريد الفهم، أريد أن أوجّه سؤالاً إلى الأرض الحزينة لا إلى السماء، أريد أن أنزل بالسؤال من الاشتغال بما يحدث في السماء إلى الاشتغال بما يحدث في الأرض التي هي تحت أقدامنا وأمام أعيننا، أريد أن أفتح الأجفان، أريد أن أسلط الضياء على ما هو واقع أمامنا، هل بإمكاني ذلك؟ هل أحرث في البحر؟ هل أستقي من السراب؟ هل أداعب الجنون؟ هل أنا خارج عن الإجماع المقدس؟ ماذا أصابني؟ هل أصابني المسُّ والجنون إذ أطمع في كشف شيء جديد غائب مُضيّع منذ زمن بعيد؟ هل لي الحق في أن أبحث في الأرض عن المفاتيح التي ضاعت في الظلمات؟ من أنت يا جودت سعيد حتى تطمع في هذا؟؟!!..