التخلص من الإكراه باتجاهيه
من Jawdat Said
لا تحاول أن ترهبني بالكلمات، فإنك في رعب من الطاغوت، من القوة، والطاغوت ليس شخصاً، بل هو معنى.
إنَّ مَن يتخلص من عبادة القوة، من عبادة الإكراه، يدخل ملكوتاً آخر.
إنك لا تدخل ملكوت الرشد، ومملكة الرشد، إذا لم تتخلص من الإكراه باتجاهيه، ولا تتخلص من الإكراه إن لم يخرج من قلبك حب إكراه أحد، (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) حد فاصل قاطع، (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) الغاشية: 88/22، لا سلطان للإكراه على مملكة القلب: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس: 10/99، إنك لا تكون تخلصت من عبادة العباد، وعبادة القوة، وعبادة الطاغوت؛ إن لم تتخلص من الإكراه باتجاهيه: أي أن تتخلص من أن تكون مُكرِهاً لأحد، وعندئذ تتخلص أيضاً من أن يكون أحد مكرهاً لك، وإذا لم تتخلص من هذين الاتجاهين؛ فأنت لا تزال في مملكة الإكراه، أياً كان الاتجاه الذي تمثله.
ينبغي أن أخرج من دائرة الإكراه، لأدخل في دائرة الرشد …
ما أشد الالتباس الذي يحصل في الانتقال من أحد الموقعين، ولا اقصد بهما السيد والعبد، فليس المهم أن تكون سيداً أو عبداً، عابداً أو معبوداً، ليس المهم أن تكون المكرِه أو المكرَه، سواء أكنت هذا أو ذاك، فكلاكما في مملكة الإكراه، مملكة الرعب والخوف، مملكة شريعة الغاب والغدر، مملكة الذين يعتقدون أن الإكراه وسيلة وأسلوب لنشر الأفكار، ولذلك فهم لا يزالون في مملكة الغي والإكراه، سواء أكانوا ممارساً للإكراه أو قابلاً لأن يمارس الإكراه عليه.
لا تنخدع بالكلمات، لا تخدعنك التفاسير والشروح، اعرف الأحوال الصوفية، اعرف قولهم: « كن مع الحق بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس ».
كان الصحابة يقولون لأصحابهم من المشركين في حواراتهم: اخلع عنك هذه الأوثان.
ما هو خلع الأوثان؟
الخروج من مملكة الإكراه لا يحتاج إلى دولة، ولا إلى مملكة، ولا إلى حماية.
لقد خرج بلال من مملكة الإكراه، وكذلك خرجت سمية، وإذا كان بعض الناس يشوهون حالة بلال وسمية، فإن ذلك يعود إلى أنهم لم يذوقوا طعم الرشد ولا حلاوة الرشد، ولا طمأنينته، ولم يعرفوا الحالة التي يعيشها من يكفر بالقوة ويتخلص من مملكة القوة، ولا يُخرج من الخوف إلى الأمن إلاّ الفهم الصحيح: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ، وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ، مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) الأنعام: 6/81-83.
كيف نخرج من الإكراه، ونبتعد عنه؟ كيف نخرج الإكراه من قلوبنا وننبذه بعيداً؟ كيف نخلع هذا الوثن من القلب؟ إن قلباً فيه هذا الوثن لا يمكن أن يدخل إليه الأمن، ولا يمكن أن تحل فيه الهداية، ولا يمكن أن يستمسك بالعروة الوثقى.