التاريخ والحجة الإبراهيمية
من Jawdat Said
كيف ندخل معبد التاريخ، ما هي شروط الطهارة؟ ما هي طقوس هذا المعبد؟ متى وضع مخطط هذا المعبد؟ من الذي شيد أسسه، ومن الذي سيفرش أرضه؟ كيف سنطهر هذا المعبد الذي صار مركزاً للأوثان والأرجاس والغوايات؟ متى سيحل الرشاد فيه؟ متى سنعرف كيف وضعت أسسه، وما هو تاريخه؟ متى سنفهم أذان إبراهيم عليه السلام؟ ماذا كان يُبنى في مصر على يد الفراعنة حين بنى إبراهيم عليه السلام البيت الحرام؟ إبراهيم الذي وضع المرجعة التي يمكن من معرفة الحق والباطل، والنافع من الضار، وذلك حين قال لقومه: (ما هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) الأنبياء: 21/52، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ: مَا تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ؟ قَالُوا: بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) الشعراء: 69-74.
كأنهم يقولون: نحن لا نبحث الموضوع على أساس النفع والضرر، نحن نبحثه على أساس ما وجدنا عليه آباءنا.
لماذا الآباء مصدر المعرفة؟ لماذا كان الاقتصار على أعمالهم دون النظر إلى عواقب أفعالهم؟ لماذا لا زال الآباء مصدر معرفتنا؟ كيف نستطيع أن نجعل الآباء مصدراً للمعرفة الصحيحة؟
حين نحاكم أعمالهم إلى ميزان التاريخ الذي يذهب الزبد فيه جفاءً، ويمكث في الأرض ما ينفع الناس.
حين قال الصوفية قوله المشهور: « من لا شيخ له فشيخه الشيطان »، فإن هذا القول ليس باطلاً كله، بل إن نصفه صحيح، إذ لا يمكن لأحد أن يتعلم الحروف الهجائية بدون شيخ، بدون أستاذ، بدون أب، فالأب والأستاذ ضروريان، وإلا كان علينا أن نعود بالتاريخ إلى ما قبل كشف الآباء للحروف الهجائية.
ولكن، في الوقت نفسه، لا يجوز لنا أن نقف عندما وصل إليه الآباء، وإلا بقينا على سفك الدماء وذبح الأبناء، ولم ندخل إلى ملة إبراهيم الذي أبطل القربان البشري، أو فتح باب إلغاء القربان البشري.
المقصود هو: كيف نستفيد من الآباء دون أن يتحولوا إلى أغلال في أعناقنا وآصار على ظهورنا. وكما قال مالك بن بني نبي،: « ليت الأثقال التي على ظهورهم ندفنها معهم حين موتهم، ولكننا نحولها إلى ظهورنا ».
وعلى كل فإن المثل القائل: « رُمي الطفل مع ماء غسيله » يذكرنا بضرورة تمييز الحق من الباطل، فإن لم نميز نحن، فإن الله سيفعل ذلك، وهذا قانونه الذي يذهب الزبد جفاءً، ويُبقي في الأرض ما ينفع الناس، ونحن إذا تعلمنا نستطيع أن نتعلم من النصيحة، فيكفينا بطل وضحية واحدة، بدل آلاف الضحايا التي نحصدها دون أن نعتبر بها.
يقول الله تعالى عن إبراهيم: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ) الأنعام: 6/83، ويقول: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ) الأنبياء: 21/51.
لقد وضعت حجة إبراهيم على قومه في هذه الآية السهلة البسيطة القريبة: (هل يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ؟) إن الحجة الإبراهيمية هي النفع والضرر.