البشرية بين الجمود والتغيير
من Jawdat Said
هل تحلّ المشكلة بكتابة صفحات كثيرة وكتب كبيرة؟ ألا تكفي جملة واحدة موجزة وشرح وإيضاح في مقالة معتدلة، أو محاضرة عابرة، أو جلسة وجلستان؟ ما معنى تغيير الاتجاه العالمي الفكري التفسيري الفلسفي الديني الإيماني؟ كيف يمكن إلغاء الأدلة؟ كيف يمكن تجاهلها؟ كيف يصل الإنسان والمجتمع إلى درجة أن يقول الله فيهم وعنهم: (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا) الأعراف: 7/146؟
هذه حالة ومرحلة في حياة المجتمعات، وفي مواضيع معينة، وليست حالة سرمدية، إنها حالة أمة معينة، ومجتمع معين، وفي قضية معينة، ويمكن أن يتعرض كل مجتمع، في كل حين لصعوبة فهم قضايا معينة، ولكن قد يصير موضوعٌ معينٌ مرفوضاً من الناس كافة في وقت معين، وهذا موجود في حياة البشر، إلا أن العالم أصبح مهيئاً لمواجهة الأفكار بمرونة أكثر، لأن الناس تعودوا في حياتهم على رؤية أشياء وأفكار جديدة تدخل إلى مفاهيمهم، بينما كان البشر قديماً يعيشون في مجتمعات لا يحدث فيها تغير، ولا تدخل إليها أفكار وآراء مختلفة، وكانوا معتادين أن يسمعوا بوجود أديان وآراء مختلفة عنهم، وكانوا يكتفون بإدانتها والاعتراف بوجود أناس همجيين لا علم لديهم، وأناس مميزين، وكانوا معتادين على أن يصنفوا الناس إلى كفار بعيدين عن الله، وإلى أقرباء مقربين إلى الله.
ألا ما أصعب فهم الوجود، وما أشد حاجة الناس إلى معرفة كيف بدأ الخلق، وكيف كان الإنسان يأكل لحم أخيه الإنسان، لا بد من معرفة تاريخ الإنسان: (سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) العنكبوت: 29/20، وكيف سار بدء الخلق، وماذا حدث للخلق، وكيف يتقدم الخلق، وإلى أين يسير، وما هو مصيره، وما هي الصيرورة، وما هي الزيادة في الخلق، وما هو الخطأ وما هو الصواب، وكيف نميز الخطأ من الصواب، هذا السؤال الأبدي الذي كان الموضوع الأهم للفلاسفة، وإشكاليتهم الكبيرة، وهو موضوع الفلسفة الإنسانية في هذا العصر، وليس المراد بالفلاسفة المشهورين الذين نقرأ أسماءهم في الماضي والحاضر، بل المراد بالفلسفة الإنسانية اتجاه الإنسان كل إنسان، فهو أياً كان فيلسوف نفسه، إنه يفكر ويتساءل، ويقول: لو ولدت في بلد كذا لكنت على دينهم ومذهبهم، وحينما يخطر في باله هذا، يكون قد دخل إلى الفلسفة من أوسع أبوابها، لأنه بعد ذلك يصل أو سيصل إلى السؤال الكبير: كيف أفهم الصواب من الخطأ؟ فما أعتقد أنه صواب، يعتقد الآخر انه خطأ، وما أعتقد أنه خطأ، يعتقد الآخر أنه صواب، ولكن الله تعالى يقول لنا: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ، وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ) فاطر: 35/19-21.