الإنسان وقانون التضاد
من Jawdat Said
قبل الحديث عن الرشد والغي، ينبغي أن نبحث في الإنسان القابل للتزكية والتدسية، للرشاد والغواية، للإيمان والكفر، للهداية والضلال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) الشمس: 91/7-8.
إن هذه الطبيعة، أو هذا الإلهام إلهي علوي، فاعله هو الله تعالى: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه: 20/50، هذا الصنع والإلهام الإلهي مزدوج الطبيعة، مزدوج الاتجاه كما يقول المفكر المعاصر المبدع، الفيلسوف المهتدي إلى شيء لم يهتد إليه أحد من قبل، حسب علمي، محمد عنبر (1) الذي اهتدى إلى قانون الحركة في الوجود، وقانون التضاد في الشيء الواحد، ولكن باتجاهين اثنين، فكلمة رشد يكون ضدها في قراءتها إدباراً كما قُرئت إقبالاً، فتكون (دشر)، وكثيراً ما يستشهد ببيت امرئ القيس حين وصف فرسه قائلاً:
مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من عل
إذا قرأت مادة (ر ش د) إقبالاً كان معناها التقيد والهداية والإشراط، وإذا قرأتها إدباراً تحول معناها إلى ضده (دشر)، التي تعني الانفلات والضلال والتسيب وعدم الإشراط وعدم التقيد.
وفي فلسفته أن الوجود مزدوج في الحركة بين المد والجزر، فمن طبيعة حرف الراء في النطق الامتداد والاستطالة، ومن طبيعة حرف الدال في النطق التوقف والحصر والانجزار، انطق بالراء والدال، وستحس بذلك في فمك ورئتيك، ولهذا فإن المعنى في كشفه الفلسفي لا يمكن أن يكون اعتباطياً، وعلى هذا فإن الوجود كله، لا اعتباط فيه، وضِدُّ الرشاد هو الدشار والتسيب في السير، والضلال في المسعى.