الأنبياء وحرمة النفس الإنسانية
من Jawdat Said
سَلْ من شئت عن الفرق بين المجاهدين والخوارج، واسأل من شئت عن شروط الجهاد، اسأله من هو الذي يجوز لنا أن نقتله، وما شروط الجواز، ومن الذي يقوم بالقتل، وما شروطه أيضاً …
ما شرط المجاهِد وما شرط المجاهدَ؟ حتى يكون القتال جهاداً لا قتالاً تحت راية عمية.
عليك صلاة الله وسلامه يا سيدي يا رسول الله يوم قلت: « من قاتل تحت رايةٍ عميَّةٍ فقتلته جاهلية » (1).
متى نبدأ بإعادة النظر في هذا الموضوع الخطير؟ متى نتساءل؟ متى نسأل عن الظروف التي يجوز فيها قتل النفس التي حرم الله؟ متى تكون النفس محرمة، ومتى تكون مباحة، ومن الذي يباح له قتلها؟؟
لماذا حذرنا رسول الله (ص)، في حجة الوداع، من أن نعود بعده كفاراً ضلاّلاً يضرب بعضنا رقاب بعض؟
إن الغضب، وظلم بعضنا لبعض، والأحقاد المتراكمة في نفوسنا، كل ذلك أعجزنا عن أن نفكر، فات أوان التفكير لأننا مشغولون بالاشتباكات الساخنة والباردة التي تدور بيننا. ولكن لا بد من التفكير في هذا الموضوع الذي سأظل أبحثه كمنقّب الآثار الذي يزيل الأتربة وأكوام النفايات التي تراكمت على ما جاء به الأنبياء، لنعيد إليه الحياة.
إن أكثر الناس اليوم يظنون أن عهد الأنبياء قد ولى، وفات عصر الأسطورة، أما الذين لا يزالون يؤمنون بالأنبياء، فإنهم يشعرون باليأس من إمكان إعادة ما جاء من أجله الأنبياء، وينتظرون الخارق المهدي، ولا يحاولون إعادة ما جاء به الأنبياء، بالأسلوب نفسه الذي جاؤوا به.
إنني أتحدث عن الرشد والغي، وأنهما مجموعان في قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، فالإكراه هو الغي سواء في الدين أو في السياسة، واللاإكراه هو الرشد، ومن يؤمن بالله الذي أمر باللاإكراه وبالرشد، ويكفر بالطاغوت الذي هو الإكراه والغي، فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
إن هدفي من ذلك كله هو أن أعيد القداسة والتقديس والمعنى والاهتمام إلى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وأن أزيل عنها بالإبهام والالتباس والغموض، وأن أخرج من القلوب الإكراه والكراهية التي تولد الغل في القلوب، وأغرس مكانه الحب والتحبب الذي يزيل الغل: (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر: 59/10.
إن أمورنا معقدة جداً، وثقافتنا تحولت إلى الإكراه في السياسة، ولا قدرة لنا على التخلص منه، لأننا نسلك طريق الغي، ولأننا لم نعد نشعر بإمكان سلوك طريق غيره.