الأطفال واكتساب المفاهيم

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

كن كابن آدم


Kunkabkadm.cover.gif
انقر هنا لتحميل الكتاب
مقدمة وتمهيد
المقدمة
تمهيد
الفصول
الفصل الأول: السلطة والمعرفة
الفصل الثاني: الخوف من المعرفة
الفصل الثالث: قراءتان للقرآن
الفصل الرابع: الغيرية والجنون الأعظم
الفصل الخامس: الإنسان والتاريخ
الفصل السادس: في دلالات آية الوحدة الأوروبية
الفصل السابع: مذهب الرشد، مذهب ابن آدم والأنبياء


إن المدخل الذي يمكن لنا أن نفهم بواسطته أن سلوك البشر قابل للكشف والتوجه هو أَوَّلاً أن الله تعالى قال لنا: إن ما بكم من دوافع خير أو شر هي بأيديكم: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس: 91/7-10، وعملية التزكية والتدسية مهمة بشرية، وقد حاولت سابقاً، في هذا البحث، الإشارة إلى هذا الفهم، ليكون عندنا الدعم الإلهي في هذا الموضوع، كي لا يفهم أحد أنا ننازع الله تعالى، أو أننا نريد أن ننزع شيئاً لم يمكّنا منه، ولم يقل لنا إنه من عندكم.

والجانب الآخر الذي أشعر أنه مهم بالدرجة نفسها، بل بدرجة أهم، لأن الله أعطاه أهمية كبرى، أعطاه الأولوية، وجعله مرجعاً للأحكام الموجودة في الكتاب الذي أنزله، هو أن نفتح أسماعنا وأبصارنا جيداً وأن نحدق في ما يحدث ونفهم كيف يحدث، وهو أيضاً أن نظر إلى الأطفال الذين تدفعهم الأرحام إلى الوجود ولا يملكون فكراً أو كلاماً أو كتابة، وليس لديهم إلا الاستعداد لأن يكونوا أي شيء تكون عليه بيئتهم، فكل طفل يولد في العالم العربي يصير عربياً في لسانه وفكره، حين لا يرى غير قومه، والصيني يصير بوذياً، والهندي برهمياً، وكذلك كل أطفال أهل الملل والنِحَل واللغات.

فلننظر إلى الأطفال كيف يلتقطون المفاهيم واللغات الشفوية، ثم كيف يتعلمون بعد ذلك، وبعناء، اللغة الكتابية.

إن الطفل يقضي سنتين أو ثلاثاً قبل أن يتكلم، ويقضي سنتين أو ثلاثاً أخرى قبل أن يبدأ تعلم المعنى من الكتاب.

خلال السنتين أو الثلاث الأولى، قبل أن يتكلم، يتعلم لفة السلوك الواعي، ولغة الانفعال، التي تبنى على المفاهيم اللاشعورية التي يقول الله تعالى عنها: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ، قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) البقرة: 2/11، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة: 2/10، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي مفاهيم خاطئة، هذا المرض لم يولد مع الطفل، بل هو مرض أودع فيه قبل أن يتمكن من الكلام والقراءة، قبل أن يتعلم اللغة، لم يودع فيه المرض في المدرسة، بل في المهد وهو ينظر إلى مناغاة أمه وسلوكها معه، ومع من حولها من الكبار والصغار، فكله أذن وعين تصب في لا وعيه مفاهيم الحضارة التي احتاجت إلى آلاف السين، خلال سنتين أو ثلاث.

إنه يبدأ بالتمييز بين الأصوات الغاضبة والأصوات الحنون، وبين الوجوه المقطبة الغاضبة، والوجوه الباسمة المطمئنة الراضية.

من هنا يتعلم الأشياء المقدسة التي نغضب من أجلها إذا انتهكت، والأشياء والمفاهيم المدنسة التي نغضب، ونرفع أصواتنا، ونقطب وجوهنا منها، لهذا فإن الطفل حين يبدأ في الحبو، والإمساك بالأشياء، واللعب بها، ينظر إلى وجوهنا ليطمئن إلى أن سلوكه يُقابَل بعلامات الرضا على وجوهنا، وهكذا يفهم القيم العميقة التي تحكم سلوكنا قبل أن يتكلم، وقبل أن يعرف الكلمات ومعانيها، فتبدو هذه القيم عميقة في شخصيته وكأنها ولدت معه، لأنها تغرس فيه عملياً، وحين يتحدث المربون عن أهمية موضوع القدوة والأسوة، فهم إنما يلحظون هذا الجانب.

يحدث هذا لدى الطفل في السنوات التي تسبق ذهابه إلى المدرسة، وقبل أن يتعلم الكلام، وهذا ما يحكم سلوكه العميق في حياته القادمة، ويصعب عليه أن يخرج على ما تعلمه وغرس فيه في سنوات عمره الأولى، لأنه تغلغل في اللاشعور.

أما حين يبدأ بتعلم الكلام الشفوي فإنه يكتشف أشياء عجيبة يندهش لها، إنه يكتشف التناقض القائم بين سلوكنا وكلامنا، سواء كان شعورياً أو لا شعورياً، فيتعلم بشكل عملي عجيب إمكانية أن يعيش الإنسان حياتين: حياة كلامية فيها مقدسات تعيش في عالم الكلام، لا تضرها تصرفات الإنسان بخلافها في حياته، يفهم الطفل هذا قبل أن يعي الأمور جيداً، يتعلمه مع الكلمات الأولى، يتعلم الكذب، ويصير فيلسوفاً في فهم هذه الأمور، وكأنه خلق بالفطرة هكذا، يتعلم مستويات التناقض بين الكلام والسلوك بشكل عملي.

إننا نفترض في كثير من الأحيان أن الكلام يختلف عن السلوك، ومن الأقوال السائرة بيننا قولهم: « خذوا بأقوال العلماء، ولا تفعلوا أفعالهم »، لكن الذين يقولون هذا لا يدركون مقدار البؤس الذي تحمله مثل هذه الأقوال، وكيف أن الإنسان الذي يقول ما لا يفعل يعيش حياتين متناقضتين، ويعيش بوجهين مختلفين.

إن الطفل يتعلم جوز الغدر والشطارة والحذق، وربما يتعلم أن أصحاب قيم الصدق لا يَعْرفون، سواء كان في الساسة أم الدين.

إننا نعيش حياة بعيدة عن الصدق، ولا يزال الطفل يلاحظ هذا في حياته المنزلية في المراحل الأولى من دخوله إلى عالم الكلام الشفوي، أما حين يبدأ بالذهاب إلى المدرسة، ويقرأ الكتب، فإنه يجد أن القيم التي تعرض عليه على أنها مقدسة جداً، لا تجد التعبير عنها في سلوك معلميه وحياتهم، بل يجدهم يعيشون وهم يقدسون السلوك والمفاهيم التي يرونها دنسة حقيرة.

هذا هو العالم الذي نعيشه، لا أحد يريد أن يدخل إلى هذا العالم القائم بذاته، والذي بيننا وبينه حاجز متين لا قدرة لنا على اختراقه.

أنا أزعم هنا أنني وجدت الثقب للدخول إلى هذا الموضوع، فليست الحياة هي المعقدة التي لا حلّ لها، بل نحن الذين عقدنا الحياة وبدّلنا نعمة الله نقمة، فالأمر ليس بهذا التعقيد والغموض.

الفصل السادس:الوحدة الأوربية الفصل السابع: مذهب الرشد، مذهب ابن آدم والأنبياء كن كابن آدم
الحضارات وتحدي الكدح الإنسانيالأنبياء وحركة الكدح الإنسانيتطهير القلب واليد واللسانالزيغ والالتباسالكفر الدنيوي والكفر الأخرويالدكتور البوطي وكتاب الجهادقوم يونس وتفادي العذابمسيرة التقدم التاريخيالإنسان وأمانة التسخيرميزان الحق والباطلالقتل والتهجيرابن آدم واليد البيضاءسبيل الرشد في مذهب ابن آدممذهب ابن آدم والتخلص من الالتباسالمسلمون ومحاولة صنع الرشد بالغيطريق الحق وطريق ابن آدم والأنبياءسبيل الرشد وسبيل الديمقراطيةموقف ابن آدم موقف لا لبس فيهمراتب العملالمشكلة الإسلامية والتحدي الفكريالحق والباطل في القرآن وفي تصوراتناالنبي والقوة الفكريةالتباس الرشد بالغيالوضوح والنقاء في مذهب ابن آدمالأنبياء والصبر على الأذىالإسلام وإلغاء النصرة الجاهليةالوحدة الأوربية والفكر العالميالأمم المتحدة والعشائريةالأطفال واكتساب المفاهيمالإنسان وعلم التغييرالمساواة والقضاء على الظلم والفسادمن تأييد الظلم إلى الوقوف بوجههنحو العدل والمساواةالقرآن ينقل مصدر المعرفة إلى التاريخ