أمراض الجسد وأمراض الفكر والنفس
من Jawdat Said
يقول بعضهم في التفريق بين أمراض الجسد وأمراض النفس: إن الإنسان حين يقرأ عن الأمراض الجسدية يخشى أن يكون مصاباً بها، ولكنه حين يقرأ عن الأمراض النفسية لا يشعر بهذا الشعور، وتكون نفسه مطمئنة إلى انه محصَّن ضدها.
ولازالت الدراسات التي تقام حول هذه القضايا تمشي على استيحاء، وهي متهمة بالإغراق في الوهم والخيال، وخاصة حين يتوجه الباحث إلى دراسة ثقافة مجتمعه، فالناس قادرون على رؤية عيوب الآخرين، ولكنهم لا يقدرون على رؤية عيوبهم هم، وعيوبهم إما أنها غير قابلة للرؤية مطلقاً، وإما أنها إذا رؤيت نُظر إليها على أنَّها خفيفة وطفيفة وغير جديرة بالبحث والنقاش، وبالمقابل يُنْظر إلى العيوب الصادرة عن الآخرين على أنها عظيمة كالجبال الساحقة الماحقة.
لقد كان بعض الصوفية أقدر من غيرهم على الدخول إلى هذا الحرم المحمي، وكذلك كان بعض علماء النفس والمؤرخون الذين يدرسون الفكر، وتاريخ ما بالأنفس، ويقومون بمقارنة المجتمعات والثقافات، ويزيد احتمال كشف العمى الفكري حين يرى الإنسان أهل ثقافتين تتهم كل واحدة منهما الأخرى بالجنون والفساد في الأرض، وأن أهلها من أصحاب الجحيم، وترى نفسها الابنة الوحيدة للسماء، فالذي يعيش ثقافة ثالثة، ويرى نماذج هاتين الثقافتين أو الدينين أو المذهبَيْن؛ يصير أكثر قدرة على كشف الأفكار والأوهام التي تحرك الآخرين، ويرى كيف أن كلا الجماعتين المتنازعتين من نوع واحد، وكلما زاد التوسع في هذه الدراسات، واصطدم الباحث بعدد كبير من الثقافات المتنوعة؛ كلما تمكن من كشف الخصائص العامة التي تحكم الثقافات، والفروق الضئيلة الموجودة بينها.
وإذا تمكن دارس الإنسانيات من الوصول إلى هذه الرؤية ثم رجع إلى القرآن؛ فإنه سيبصر مقدار الاهتمام الذي يعطيه القرآن لتشابه القلوب بين الثقافات التي ترى كل واحدة منها نفسها مقدسة ومتسامية، بينما ترى الآخرين مُدَنَّسات حقيرة.
ويضرب القرآن المثل باليهود والنصارى فيقول: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) المائدة: 5/18، وكذلك ينظر المسلم إليهما بتعالٍ كبير، ومن شدة العلو الذي يمنحه لنفسه، ولا يتمكن من أن يراهما شيئاً، ولا يستطيع أن يفهم أن الآخرين ينظرون إليه بالمنظار نفسه، دون أن يكون لديه أو لديه أي ميزان ومقياس.