الوحدة الأوربية والفكر العالمي
من Jawdat Said
إن انتقال القانون من إطار العشيرة، ثم إلى القومية، ثم إلى العالمية، أمر احتاج إلى تطور كبير وشقة بعيدة المدى وتغير جذري، ولعل إشكالية العرب والمسلمين هي عند هذه النقطة، فولاءهم لم يتعد العشيرة أو القطر، ولم تترسخ في نفوسهم فكرة القومية فضلاً عن فكرة الإسلام أو العالمية، والأمر لا يتوقف عند العرب والمسلمين، بل إن المشكلة مشكلة عالمية، فالديمقراطية لا تزال قومية، ولم تتجاوز إلى الأقوام العالمية، ولذلك فإنني حين أقول: إن ظاهرة الوحدة الأوربية الغربية، ظاهرة جديدة في العالم، وحين أتحمل تبعة هذا الحكم، فإنني لا أعتبرها ظاهرة كاملة لا يمكن تجاوزها إلى ما هو أفضل منها، بل إنني أتبر أن الذين لديهم فكرة عن تاريخ الإنسان وتطوره الفكري وتقدمه، وينظرون إلى البشر كلهم على أنهم عشيرة واحدة وقومية واحدة، هؤلاء أعتبرهم أصحاب الفكرة الأحدث في العالم.
ربما يتضايق المسلم من هذا القول، لأنه يشعر أنه عالمي تماماً، ولكن بشرط أن تكون عشيرته هي التي تقود العالم وتسوده، أما أن يكون مواطناً أو إنساناً مثل سائر البشر، فهذا ما لم يتعود بعد على بحثه.
ثم إنني أريد أن تتذكر معي أن الأمر لا يقتصر على وجود الفكرة فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تحويل الفكرة إلى إيمان يتدخل في سلوك الإنسان، فوجود الفكرة بشكل أولي لا يستلزم إيمان الناس بها إيماناً يظهر على سلوكهم ويدخل في لا شعورهم، والناس كثيراً ما يتحدثون عن العدل والمساواة، ولكنهم عند التطبيق يظهرون بالقيم العشائرية الأكثر عمقاً في داخلهم، والذي يبدو أن دخول البشر إلى عهد القومية أو الإنسانية جاء متأخراً، ولعل فكرة الإنسانية ولدت قبل فكرة القومية، ولكن تحولها إلى مفهوم حاكم لسلوك الناس في حياتهم العملية أمر حديث الولادة.