العاطفة والفكر
من Jawdat Said
وكذلك يمكن أن نُخل في مصطلح الإرادة (الإخلاص) والقدرة (الصواب)، مصطلح (العاطفة والفكر). فما يقال عنه عاطفة إنما تكوّن من ميول كنتيجة لعوامل مختلفة - كما يحثنا في اللاشعور - أما الفكر فيقصد به الشعور والوعي عادة. وما يكون فكراً عند بعض الناس قد يكون عاطفة عند آخرين، - وليس في هذا ما يعاب - ولكن العواطف قد تكون سلبية أو إيجابية، وحتى الإيجابية منها بحاجة إلى وعي لقيادتها وتوجيهها، حتى لا تتحول إلى نتائج سلبية أثناء الصراع الفكري.
والفكر مصدر الفعل، وآلته العقل، وموضوع ما في الكون. والفكر: عملية نظر في الكون واستنباط السنن التي تسير الأمور عليها، ويقول محمد إقبال - رحمه الله - في هذا:
﴿أول ما يستهدفه القرآن من هذه الملاحظة التأملية للطبيعة هو أنها تبعث في نفس الإنسان الشعور بمن تعدُ هذه الطبيعة آية عليه﴾ محمد إقبال تجديد التفكير الديني - ص 21 - القاهرة 1955م.
أي ما يُعنى به القرآن أن يوجه الفكر إلى ما الكون دليل عليه، فهذا الكون رمز وآية. وهكذا يعرض القرآن الموضوع؛ والقرآن الكريم معجزة رسول الله (ص):
(ما من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله أو من أو آمن عليه البشر، وإنما الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أني أكثرهم تابعاً يوم القيامة) صحيح البخاري - كتاب الاعتصام.
كان الأنبياء يأتون بمعجزات إلا أن هذه المعجزات ذهبت ولم تبق، ولكن معجزة محمد (ص) قائمة تتجدد يمكن أن براها كا إنسان على مدى الدهر؛ وكان المشركون يطالبون بآيات كما أرسل الأولون، فأتى الجواب من السماء أن آيات الكتاب تكفي:
﴿وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه، قل: إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين. أولم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم، إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون﴾ (سورة العنكبوت: الآيتان 50،51).
بل نرى هذا الأسلوب متبعاً فيما يقص الله علينا من قصص عن الماضين وما يقابل ذلك في عهد محمد (ص): فقصة الذي
﴿مَرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً أو بعض يوم، قال: بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً، فلما تبيَّن له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير﴾ (سورة البقرة: الآية 259).
هذه القصة حول تساؤلات الإنسان عن كيفية إحياء الله للأموات؟ فكان الجواب أن أماته الله مائة عام ثم أحياه وجعل له آية ليعلم أنه قد مات، وذلك من رؤية عظام حماره الذي نشر عظامه أمامه، فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير، فأراه الله الآية في نفسه وفي دابته. ونجد بعد هذه القصة مباشرة قصة إبراهيم عليه السلام:
﴿وإذ قال إبراهيم ربِّ أرني كيف تحي الموتى؟ قال: أولم تؤمن؟ ! قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. قال: فخذ أربعة من الطير فَصُرهُنَّ إليك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم﴾ (سورة البقرة: الآية 260).
كان الجواب لتساؤل إبراهيم - عليه السلام - أن أراه الآية في الطير ولم يُرِ إبراهيم تلك من نفسه. وحدث مثل هذا التساؤل في زمن محمد (ص) أيضاً ولكن الجواب لم يكن كالجواب للذي مرَّ على القرية، ولا كما فعل مع إبراهيم - عليه السلام - وإنما هو أنموذج آخر، أُدخل إلى جانب الاعتبار بالأمثال. ولقد اكتفى إبراهيم - عليه السلام - أن يرى الطير ولم يحتج أن تقام عليه التجربة نفسها. ولكن الجواب الذي حدث في زمن محمد (ص) الوارد في سورة (يس):
﴿أولَمْ يرَ الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه، قال: من يحي العظام وهي رميم؟ قل: يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ (سورة يس: الآيات 77،78،79).
إن الرجل الذي جاء إلى محمد - (ص) - وَفَتَّ العظم طالباً بيان كيف يحيها الله، لم يواجه الله بإفزاعه في أن يعيد ما بيده من العظام حية تسعى، ولكن بكل إيجاز قال عنه: ﴿وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه﴾ (سورة يس: الآية 78). فأعيد إلى التذكر ليرى بالفكر والتأمل ذلك في نفسه، وفي نشأته الأولى؛ وفي مثل هذا المثال ما في القصص السابقة من البرهان، ولكن بحاجة إلى فكر أدق، وعليه أن يراه كل واحد، وهذا يدل أيضاً على تطوير أساليب البرهان على مرِّ الزمن وإن كان الموضوع واحداً.
وتنبّه إلى هذا توماس كارليل فقال في حديثه عن محمد (ص) في كتابه (الأبطال): (إنه كان - (ص) - يطلب القريشيون منه براهين وآيات على صدق ما جاء به، فكان يقول لهم: ألستم أنتم معجزات وجدتم ولم تكونوا..).
وفهم ابن عباس - رضي الله عنه - الموضوع على هذه الصورة فقال: (أتت قريش اليهود فقالوا: بمَ جاءكم موسى من الآيات؟ فقالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين، وأنوا النصارى، فقالوا كيف كان عيسى؟ فقالوا: كان يُبرئ الأكمة والأبرص ويحي الموتى، فأتوا النبي (ص)، فقالوا ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً، فدعا ربه فنزلت هذه الآية: ﴿إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب﴾ (سورة آل عمران: الآية 190)، فليتفكروا فيها) ذكره السيوطي في أسباب النزول.
ولا يقلل من قيمة الفكرة التي يتضمنها ما رواه ابن عباس أي إشكال برد عليه، لأن آية العنكبوت واضحة:
﴿وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه، قل: إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين. أولم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم﴾ (سورة العنكبوت: الآيتان 50،51).
جدول مصطلحات الإخلاص والصواب | ||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
الإخلاص والصواب • إياك نعبد وإياك نستعين • لا إله إلا الله، محمد رسول الله • الغاية والوسيلة • لماذا وكيف • البواعث المعللة والطرق التنفيذية • الموثوق والمضطلع • العدل الضابط • الأمانة والقوة • الحفيظ العليم • القاعدة والقمة • اللاشعور والشعور • العاطفة والفكر • الأخلاق والعلم • القلب والعقل • مصطلحات أخرى |