الإكراه والتغيير
من Jawdat Said
ما هذا الشيء القذر؟ إلى هذه الدرجة تطرد الرشد وتعاديه وتناصبه العداء؟
تأمل مصيبة الإكراه جيداً، مصيبة الإكراه أن تكون مكرِهاً أو قابلاً للإكراه أو أن يكون داخلاً إلى قلبك، ولهذا سأل رسول الله (ص) أحد أصحابه الذين أعلنوا خلاف معتقدهم قائلاً: « كيف تجد قلبك؟ » قال؛ مطمئناً بالإيمان، فقال له: « لا عليك، وإن عادوا فعد ».
لم يؤمن بأن الإكراه يُحدث تغييراً، أو أنه يمكن أن يكون طريقاً إلى الإيمان، لم يؤمن بالطاغوت، ولم يختلط عليه الرشد بالغي، لا يزال مؤمناً، وقلبه مُطمئن بالإيمان بأن الإكراه ليس من الدين، وأن الإكراه هو الغي، وهو الجهل المطبق، والضلال المبين، وهو السبيل المودي إلى الهلاك، وأنه ضد الرشد وضد الإيمان بالله: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة: 2/256.
إن الشيطان يخوف أولياءه، إنه يزين لهم أنه يجعلهم يقعون في الوهم القاتل فيزين لهم الإكراه والقهر والطاغوت والغي، ويقطع عليهم الطريق بإيهامهم بأن الإكراه يمكن أن يكون سبيلاً إلى الرشد، ويُخَيِّل إليهم أن الإكراه يمكن أن يصنع الرشد، ولا يزال يخدعنا، بعد أن دخلنا القرن الخامس عشر، بأن الإكراه يمكن أن يكون طريقاً إلى الرشد.
لا يمكن للإكراه إلا أن يكون طريقاً إلى الغي، ولن يؤدي إلا إلى الطاغوت، والإكراه بعد تجربة أكثر من ألف وأربع مئة عام لم يؤد إلى الرشد، ألا تكفي كل هذه التجارب؟ أم أنه حق علينا القول بأن الله لن يملَّ ولن يخرق سننه من أجل أهوائنا وغفلتنا، ولن يجعل من الغي رشداً، ولا من الطاغوت إيماناً، ولن يجعل سبيل الرشد إكراهاً، ولن يحوّل الإكراه إلى رشد.