ابن آدم واليد البيضاء
من Jawdat Said
« الحلال بَيِّن، والحرام بّيِّن، وبينهما أمور مشتبهات » إلى درجة أن أمر الحلال والحرام يبدو مرتبطاً بالقوة، فلا حرام على القوي، ولا يحل شيء للضعيف، فليس له أن يفكر ويفهم، وحتى الكلام محرم عليه.
إننا نعيش هذا الخلط، ومن هنا يختلط الرشد بالغي، والحق بالباطل، والحسنة بالسيئة، وهكذا ترتفع الرايات العمياء، والناس حيارى، والعلماء منقسمون بين مؤيد لأحد الطرفين ومعرض له، والظلام يكون دامساً، والمأساة تظهر وكأنها لا نهاية لها، وهذه هي نظرة نيتشه للتاريخ، إذ قال عنه: إنه باطل الأباطيل. فما المخرج من هذه الأباطيل؟ لماذا يقع بسطاء الناس في الحيرة؟
أشعر أنني أضيع في الغموض والظلام، حين أحاول إضاءة الظلام، لأن النور الذي نحمله غير مضيء.
لقد كان من آيات موسى اليد البيضاء، فما هي اليد البيضاء؟ هل هي لموسى فقط، أم يمكن أن تكون اليد البيضاء لنا نحن أيضاً؟
أظن أننا نستطيع أن نرفع يداً بيضاء، وذلك حين لا تكون أيدينا ملطخة بالدماء، ولا تكون ألسنتنا ملطخة بالثناء على الأيدي الملطخة بالدماء. وحين تصير قلوبنا سليمة من الدماء، ومن حب الدماء، وحين نكره الدماء بقلوبنا؛ فإن أيدينا ستصير مضيئة.
إن القلب السليم الذي خرج منه القتل سيكون أبيض، وإن يد ابن آدم يد بيضاء غير ملوثة، فإذا اشتبهت الأيدي البيضاء بالأيدي الحمراء، فالأحوط والأفضل أن نخرج من كل هذه الأيدي، ولا نكون مع أحد الطرفين المتقابِلَين المتقاتِلَين.
حين يخرج من قلوبنا الفرح بالدماء، وحين نسلم من حب الدماء؛ تكون أيدينا بيضاء لا حمراء، فيزول الالتباس ويتبين الرشد من الغي، وأصحاب الأيدي البيضاء هم الذين لم ينقم منهم الآخرون إلا إيمانهم وعقائدهم وأفكارهم التي في قلوبهم، وليس الدماء التي في أيديهم.
إن الإسلام والقرآن، حسب ما أفهم، لا يبيحان دماء الأيدي البيضاء، فكل من لم يرفع سلاحاً فهو آمن أياً كان دينه واعتقاده: (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) النساء: 4/90.
إذا أردت أن تدخل في حلف القرآن وأمانه، فادخل في السلم، وبذلك تحمي نفسك ومالك، ودنياك ودينك. ويكون قلبك سليماً ولسانك عفاً ويدك بيضاء.