أمنيتي السلام العربي العربي

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

هل علي من حرج إن أعلنت عن أمنيتي في أن يحل السلام بين العرب أنفسهم أم أن هذه الأمنية ممنوع ومحرم وخيانة وزندقة وإعلان حرب بين العرب بعضهم مع بعض وأنا منذ بدأت الكتابة قبل نحو أربعين سنة هاجسي اللاعنف ومذهب ابن آدم الأول الذي قال لأخيه ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ) وكذلك هاجسي ما علم الله في الإنسان الذي جعله الله خليفة في الأرض ولما اتهمت الملائكة هذا الخليفة بأنه سيفسد في الأرض ويسفك الدماء قال الله لهم إني أعلم ما لا تعلمون ما تعلمونه هو الفساد وسفك الدماء وأنا أعلم في الإنسان غير هذا الذي تعلمون وأنه سيخرج من الفساد وسفك الدماء .

وأنا لما أبحث هذا الموضوع من غير ملل يواجهني كثير من الناس هل هذا السلام الذي تدعو إليه يتصل أو ينفذ إلى السلام الدائر والداعي إلى السلام بين العرب وإسرائيل هذا الذي يكون متسائلا على الأغلب لا يفهم إلا السلام مع إسرائيل ولا يقتنع أن يكون هناك سلام آخر لقد حشيت الأدمغة بالسلام مع إسرائيل بحيث لم يبق حديث وفكر غير السلام مع إسرائيل وإن السلام بين العرب غير وارد بل يوجد نوع من اليأس من أن يكون هناك إمكان للسلام بين العرب وكنت مدعوا إلى محافظة دير الزور في سوريا لألقي محاضرة بعنوان ( كيف نصنع السلام بين العرب ) وكان هناك على جدار المركز الثقافي هذا العنوان بخط كبير وكان شاب مراهق على دراجة يمر من هناك فلما قرأ العنوان قال هذا غير ممكن.

هذا شاب مراهق ولكن هناك أطباء ومهندسون لا قدرة لهم على إمكان فهم أن يكون سلام بين العرب وللشعوب أمثلة ونكت طريفة في هذا الموضوع لما هذا الإمكان والضجيج في السلام بين الصهيونية والعرب وهذا اليأس في أن يحل السلام بين العرب ولما قال مالك بن نبي ( إن العرب إذا اجتمعوا يعتبرون أكبر مشكلة عندهم مشكلة إسرائيل وهذا فهم خاطئ لأن مرض العرب ليس هو إسرائيل بل إسرائيل عرض للمرض وكذلك سائر مشكلات العرب والمسلمين ومالك بن نبي ابتكر مصطلح ( القابلية للاستعمار ) لمرض العرب والمسلمين وأنا هل علي من حرج أن تكون لي أمنية في أن يحل السلام بين العرب من غير أن يخسر أحد منهم شيئا ويربح الجميع .كيف نحيي هذه الأمنية ؟

أنا في رأيي يمكن إحياء هذه الأمنية إذا غيرنا نحن الناس العاديين ما بأنفسنا من مواريث التاريخ في أن الاتحادات العربية كانت تحدث بأن يظهر حاكم قوي يوحد الأمة العربية بالقوة هذا الشيء الذي كان يحدث فيما سبق من الزمان وكأن خيالنا ولا شعورنا يستحضر هذا التاريخ وربما يكون هناك حنين إلى ذلك كما يداعب خيال بعض من يملك القوة كما حدث في الحرب الثانية في الخليج .

إن هذا الأسلوب في الاتحاد لم يغير من المشكلة الحقيقية وهي القابلية للاستعمار بحسب مصطلح مالك وأنا يمكن أن أستخدم مصطلحاً غير هذا وهو مصطلح الرشد لأن الرشد هو الذي يأتي بغير إكراه وبغير تدخل القوة لهذا في الإسلام لا إكراه في الدين ولا إكراه في السياسة لأن السياسة التي تأتي بالإكراه لا تكون رشدا كما سجل تاريخ المسلمين ذلك حيث لم يسموا الذين جاؤوا بالإكراه راشدين وبالإكراه واللاإكراه تبين الرشد من الغي ونحن نريد أن نعلن أمنيتنا في السلام والتعاون العربي أن لا يكون بالإكراه ويكون بالرشد وهذا ما يحدث في أوربة الآن يتحدون من غير إجبار ولا إكراه وبالقناعة والتفاهم من غير أن يخسر أحد شيئا ويربح الجميع بل إن علم الله في الخليفة بدأ يتحقق حيث تطورت التقنيات التدميرية إلى إمكان تدمير الأرض كلها فلهذا الكبار لا يستطيعون أن يتقاتلوا وينجح من ينجح بدون حرب وسلاح مثل اليابان ويسقط من يسقط بدون حرب وسلاح مثل الاتحاد السوفيتي المتخم بالأسلحة تمزق من الداخل وليس من هجوم عدو خارج عنه وأوربة التي جربت كل الحروب الأهلية والقومية والدينية والعالمية تتحد الآن بدون قوة السلاح والحرب بالإقناع وكلمة السواء للكل حقوق متساوية .

هذه الوقائع هي التي تجعل أمنيتي في السلام العربي العربي له أرضية دينية ودنيوية وتاريخية وإنما فقط أن نعقل الأحداث ونبلغ الرشد والوعي في فهم الأمور وأن لا نفرح بالذي يريد أن يوحد العرب بالقوة فإذا صرنا نؤمن بهذا ونغير ما بأنفسنا في أسلوب حل المشكلات فإن الله سيغير ما بنا من التفرق والخوف من بعضنا إن الصوفية كانوا يقولون كلمة لها مغزى كانوا يقولون ألسنة الخلق أقلام الحق إذا غير الأفراد ما بأنفسهم باسلوب حل المشكلات فسيغير الله ما بالأقوام من التمزق والخوف والريبة وسيأمن الجار جاره لا أن يخاف من جاره أكثر مما يخاف من أعدائه إذا تغير ما بأنفسنا علينا أن نظهر ما بأنفسنا بألسنتنا عندما نغير ما بأنفسنا من تعليق الأمل بالقوة والإكراه ليتحد العرب فإن العرب سيتحدون وسيصنعون السلام بينهم ولكن ما دمنا سنفرح ونصفق للذي يريد أن يوحد العرب بالقوة فإن هذا الذي بأنفسنا سيخلق الله منه المغامرين الذين يرعبون إخوانهم بالسحق والمحق و في سبيل الوحدة المقدسة أجزنا الغدر بإخواننا أو فرحنا بالذي سيوحد العرب بالقوة فإذا غيرنا هذا الفهم فيمكن أن يحل فهم آخر وتغيير ما بالأنفس يغير الواقع يغير النقم إلى نعم والعكس صحيح ذلك بأن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وأنا متأكد من أننا إذا صرنا ننظر بمقت وازدراء إلى الذين يريدون أن يوحدوا العرب بالإكراه فسوف لن يظهر من يحاول أن يفعل ذلك وإذا صرنا بوعي ويقين واضح أننا سنفرح بالذي يـبدأ بصنع السلام بين العرب من غير أن يضمر خداعاً فإن هذا الوعي الذي حدث في أنفسنا سيحقق في الواقع الذي يـبدأ بصنع السلام بين العرب، وقانون الله لن يتبدل ولن يتحول ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ونحن نبذل جهداً لتغيير ما بالأنفس فإني قد غيرت ما بنفسي من أن السلام لن يحل بيننا نحن العرب ما دمنا نـَحِنُّ إلى القوة لتوحيد العرب لأن هذا الحنين إلى القوة والإكراه والإرغام هو الذي يفسد العلاقات من الطمأنينة إلى التوجس والريبة والخوف من بعضنا وإذا كان جارنا لا يثق بنا لا يكون عندنا إيمان ولا أمان وهذا ما يقوله رسول الله ( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ) ويقول ( لا إيمان لمن لا أمانة له ) وهذا ما صاغه محمد إقبال شعراً فقال:

إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيي دينـــــا

وأنا أعلن أمنيتي في السلام بين العرب وأمنيتي في السلام العربي العربي وأنا مستعد لتحمل ما ينتج عن هذه الأمنية وإني لعلى يقين إذا غيرنا ما بأنفسنا أن هناك كثيرين يحنون إلى هذا ولكن المشكلة ليست واضحة لديهم ونحن نسعى لتوضيح ذلك وعلينا أن لا نكتم سنن الله في الأقوام والمجتمعات وأن الذين لا يؤمنون بإمكان انتصار الحق بدون قوة وبدون إكراه يجهلون سنن الله .